للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ اللِّبَاسَ لَا يَقِلُّ فِي النَّهَارِ بَلْ قَدْ يُوضَعُ لِلْقَائِلَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللِّبَاسَ يَقِلُّ إلَى بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَقَدْ يَكُونُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.

فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّ مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُرِقْ دَمًا؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ لِأَنَّكُمْ تَجْعَلُونَ فِي أَكْثَرِ ذَلِكَ صَدَقَةً لَا دَمًا؛ وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ يَرَاهُ حَقًّا، ثُمَّ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَتْ إمَاطَتُهُ الْأَذَى بِغَيْرِ حَلْقِ الرَّأْسِ تُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ: الْبَوْلُ، وَالْغَائِطُ، وَالْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْغُسْلُ لِلْحَرِّ وَالتَّرَوُّحِ، وَالتَّدَفُّؤُ لِلْبَرْدِ، وَقَلْعُ الضِّرْسِ لِلْوَجَعِ، فَكُلُّ هَذَا إمَاطَةُ أَذًى.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى إسْقَاطِهِ الْفِدْيَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: حَسْبُنَا وَإِيَّاكُمْ إقْرَارُكُمْ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى إبْطَالِ عِلَّتِكُمْ، وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ إمَاطَةِ أَذًى تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ، وَإِلْزَامُ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدْيِ شَرْعٌ لَا يُجَوِّزُ إلْزَامَهُ أَحَدٌ حَيْثُ لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُورِدُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَشَرَةٍ مِنْ صَاحِبٍ، وَتَابِعٍ فِي ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ احْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُهُ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَقْدِرُ النَّاسُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا حَلْقَ الشَّعْرِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إنْبَاتِهِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ؟ وَهَلْ زِدْتُمْ إلَّا دَعْوَى لَا بُرْهَانَ لَهَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>