مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ هَدْيٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا - وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَلَّى تَوْزِيعَهَا -: فَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَ الْهَدْيَ كُلَّهُ.
وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَأْكُلَ لُقْمَةً فَيَغْرَمُ عَنْهَا نَاقَةً مِنْ أَصْلِهَا، وَهَذَا عُدْوَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَغْرَمُ إلَّا مِثْلَ مَا أَكَلَ.
وَهَذَا مِمَّا يَتَنَاقَضُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، فَأَخَذَا فِيهِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَرَكَا رَأْيَهُ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ مَا رُوِيَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
٩٠٧ - مَسْأَلَةٌ:
فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ عَنْ وَاجِبٍ - وَهِيَ سِتَّةُ أَهْدَاءٍ فَقَطْ لَا سَابِعَ لَهَا -: إمَّا جَزَاءُ صَيْدٍ، وَإِمَّا هَدْيُ الْمُتَمَتِّعِ، وَإِمَّا هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَإِمَّا نُسُكُ فِدْيَةِ الْأَذَى، وَإِمَّا هَدْيُ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى الْكَعْبَةِ فَرَكِبَ، وَإِمَّا نَذْرُ هَدْيٍ.
وَهَذَا الْهَدْيُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ -: قِسْمٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَقِسْمٌ مَنْذُورٌ بِعَيْنِهِ - فَإِنْ عَطِبَ الْوَاجِبُ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَعَلَ بِهِ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَيُهْدِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ حَاشَا الْمَنْذُورَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ وَيَتْرُكُهُ وَلَا يُبَدِّلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا هَدْيٌ وَاجِبٌ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَبَدًا وَمَا لَمْ يُؤَدِّهِ عَمَّا عَلَيْهِ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ عَطِبَ أَوْ لَمْ يَعْطَبْ.
وَأَمَّا الْمَنْذُورُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَالِهِ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ فَيُهْلِكَهُ فَيَضْمَنَهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي نَذَرَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَدَى عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute