للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «لَيْسَ بَلَدٌ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا الْمَدِينَةَ، وَمَكَّةَ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا فَيَنْزِلُ بِالسَّبْخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ يَخْرُجُ إلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ مُنَافِقٍ وَكَافِرٍ» وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا مِنْ بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ» إنَّمَا هُوَ سَيَطَؤُهُ أَمْرُهُ وَبُعُوثُهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا، وَسَكَّانُ الْمَدِينَةِ الْيَوْمَ أَخْبَثُ الْخُبْثِ، وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مُصِيبَتِنَا فِي ذَلِكَ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» وَذَكَرَ مِثْلُ هَذَا حَرْفًا حَرْفًا فِي فَتْحِ الشَّامَ، وَفَتْحِ الْعِرَاقِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إلَى الرَّخَاءِ، هَلُمَّ إلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ الْمَدِينَةَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَبِلَادِ الرَّخَاءِ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ، وَلَا ذِكْرَ لِمَكَّةَ أَصْلًا.

وَأَمَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا بِأَنَّ الْمَدِينَةَ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ لَهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ أَيْضًا فِي خَاصٍّ لَا عَامٍّ وَهُوَ مَنْ خَرَجَ عَنْهَا طَلَبَ رَخَاءٍ، أَوْ لِعَرَضِ دُنْيَا؛ وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْهَا لِجِهَادٍ، أَوْ لِحُكْمٍ بِالْعَدْلِ، أَوْ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ دِينَهُمْ فَلَا، بَلْ الَّذِي خَرَجُوا لَهُ أَفْضَلُ مِنْ مُقَامِهِمْ بِالْمَدِينَةِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهَا لِلْجِهَادِ وَأَمْرُهُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ وَالْوَعِيدُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ بَعْثَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>