للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبِ إذَا أَسْلَمُوا؟ وَلَئِنْ كَانَ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُمْ فِي مِلْكِهِ إنَّ ذَلِكَ لَجَائِزٌ فِي الْعَبْدِ، وَلَئِنْ حَرُمَ إبْقَاءُ الْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ لَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ وَلَا فَرْقَ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَنَسْأَلُهُمْ أَيْضًا عَنْ كَافِرٍ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً، فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ يَفْسَخُونَ ذَلِكَ الشِّرَاءَ. فَنَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَ فَسَخْتُمُوهُ؟ وَهَلَّا بِعْتُمُوهُمَا عَلَيْهِ كَمَا تَفْعَلُونَ إذَا أَسْلَمَ فِي مِلْكِهِ؟ وَمَا الْفَرْقُ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ تَمَلُّكٍ. قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَلَا يَخْلُو ابْتِيَاعُهُ لَهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ تَمَلُّكٍ لِمَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ.

فَإِنْ قَالُوا: بَلْ لِمَا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، فَكَيْفَ أَحْلَلْتُمْ تَمَلُّكَهُ لَهُمَا مُدَّةَ تَعْرِيضِكُمْ إيَّاهُمَا لِلْبَيْعِ إذَا أَسْلَمَا فِي مِلْكِهِ؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ لِمَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ. قُلْنَا: فَلِمَ فَسَخْتُمْ ابْتِيَاعَهُ لِمَا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُهُ؟ بَلْ لِمَ تَبِيعُونَ عَلَيْهِ مَا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُمَا كَانَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَا فَلِمَ يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِإِسْلَامِهِمَا. قُلْنَا: نَعَمْ، فَلِمَ بِعْتُمُوهُمَا عَلَيْهِ؟ وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَقَوْلٌ بَاطِلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ فِي تَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَجَعْلِ عِتْقِهَا صَدَاقَهَا: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا، أَوْ بَعْدَ عِتْقِهَا، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا فَزَوَاجٌ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا، فَقَدْ مَضَى عِتْقُهَا فَأَيْنَ الصَّدَاقُ؟ وَقَالُوا مِثْلَ هَذَا فِي الْعِتْقِ بِالْقُرْعَةِ، وَفِي وُجُودِ الْمَرْءِ سِلْعَتَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ؛ وَكُلُّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا أَدْخَلُوهُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ لَا يُنْكِرُونَ هَذَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ مَوْضِعُ الْإِنْكَارِ حَقًّا، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ وَيَقْضُونَ بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا يَتَكَلَّمُ وَيَقْضِي عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>