للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا قَسَّمَ أَعْيَانَ الْغَنِيمَةِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا غَنِمُوا، فَبَيْعُ حُقُوقِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضًا مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوَّلِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

فَإِنْ رَضِيَ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ بِالْبَيْعِ إلَّا وَاحِدًا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُعْطَى حَقَّهُ مِنْ عَيْنِ الْغَنِيمَةِ، وَيُبَاعُ إنْ أَرَادَ الْبَيْعَ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] .

وَبِهَذَا جَاءَتْ الْآثَارُ فِي حُنَيْنٍ، وَبَدْرٍ، وَغَيْرِهِمَا، كَقَوْلِ عَلِيٍّ: إنَّهُ وَقَعَ لِي شَارِفٌ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَكَوُقُوعِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَعَتْ فِي سَهْمِي يَوْمَ جَلُولَاءَ جَارِيَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَغَيْرِهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَكْرَهُ بَيْعَ الْخُمْسِ حَتَّى يُقْسَمَ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا

وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ مَطْلَ ذِي الْحَقِّ لِحَقِّهِ ظُلْمٌ، وَتَعْجِيلَ إعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَرْضٌ، وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ فَلَا سَهْمَ لَهُ.

قَالَ: فَلَوْ خَرَجُوا عَنْ دَارِ الْحَرْبِ فَلَحِقَ بِهِمْ مَدَدٌ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَحَقُّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ - وَهَذَا ظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ الْغَنِيمَةِ، أَوْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَحَقُّهُ فِيهَا يُورَثُ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا - فَهَلْ سُمِعَ بِظُلْمٍ أَقْبَحَ مِنْ مَنْعِ مَنْ قَاتَلَ وَغَنِمَ وَإِعْطَاءِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَا غَنِمَ؟ وَأَمَّا الْأَرْضُ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا. فَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَبِلَالًا، وَغَيْرَهُمْ دَعَوْا إلَى قِسْمَةِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَمُعَاذًا، وَأَبَا عُبَيْدَةَ، رَأَوْا إبْقَاءَهَا رَأْيًا مِنْهُمْ، وَإِذْ تَنَازَعُوا فَالْمَرْدُودُ إلَيْهِ هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: ٥٩]

فَوَجَدْنَا مَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>