للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَفْضَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا طَابَ لَحْمُهُ وَكَثُرَ وَغَلَا ثَمَنُهُ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كَلَامِنَا فِي الْأَضَاحِيِّ قَوْلَ بِلَالٍ: مَا أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ابْتِيَاعِهِ لَحْمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا هُوَ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِالْأَثَرِ الَّذِي لَا يَصِحُّ " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " وَثَّقُوهُ هُنَالِكَ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ.

وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُجِيزُ الْأُضْحِيَّةَ بِبَقَرَةٍ وَحْشِيَّةٍ عَنْ سَبْعَةٍ، وَبِالظَّبْيِ أَوْ الْغَزَالِ عَنْ وَاحِدٍ.

وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ التَّضْحِيَةَ بِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْبَقَرَةُ الْإِنْسِيَّةُ مِنْ الثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ، وَبِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْعَنْزُ مِنْ الْوَعْلِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِي إلَّا مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ.

وَرَأَى مَالِكٌ: النَّعْجَةَ، وَالْعَنْزَ، وَالتَّيْسَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ: فِي الْأُضْحِيَّةِ.

وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فَرَأَيَا الْإِبِلَ أَفْضَلَ، ثُمَّ الْبَقَرَ، ثُمَّ الضَّأْنَ، ثُمَّ الْمَاعِزَ - وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً فَنُورِدُهَا أَصْلًا، إلَّا أَنْ يَدَّعُوا إجْمَاعًا فِي جَوَازِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَنْعَامِ، وَالْخِلَافَ فِي غَيْرِهَا.

فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيُعَارِضُونَ بِمَا صَحَّ فِي ذَلِكَ عَنْ بِلَالٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ إذَا وَافَقَهُمْ.

وَأَمَّا مُرَاعَاةُ الْإِجْمَاعِ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَيُتْرَكُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَهَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَذَاهِبِهِمْ إلَّا يَسِيرًا جِدًّا مِنْهَا، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ الصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ وَالْبُيُوعِ، إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا هَدْمُ مَذْهَبِهِمْ كُلِّهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمَرْدُودُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَهُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ فَوَجَدْنَا النُّصُوصَ تَشْهَدُ لِقَوْلِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - بِكُلِّ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ قُرْآنٌ وَلَا نَصُّ سُنَّةٍ - حَسَنٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>