فَالْوَقْتُ الَّذِي حَدَّدْنَا هُوَ وَقْتُ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُجِزْ التَّضْحِيَةَ قَبْلَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ - وَلَا مَعْنَى لِهَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُدَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: إنْ ضَحَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَجْزَأَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا أَهْلُ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ فَمَنْ ضَحَّى مِنْهُمْ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَلَمْ يُضَحِّ، وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي فَإِنْ ضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى أَجْزَأَهُمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ضَحَّى قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُضَحِّ؛ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: الْإِمَامُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَخِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَوْرَدْنَا بِلَا بُرْهَانٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَلَا حُجَّةَ لَهُ أَصْلًا، وَخِلَافٌ لِلْخَبَرِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ بِمُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ غَيْرِهِ.
وَنَقُولُ لِلطَّائِفَتَيْنِ مَعًا: أَرَأَيْتُمْ إنْ ضَيَّعَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَلَمْ يُضَحِّ أَتَبْطُلُ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَضَاحِيِّ عَلَى النَّاسِ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هُوَ الْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَحْسَنَ وَهُوَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتِ تَضْحِيَتِهِ، وَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِكَادِحٍ فِي عَدَالَتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَطِّلْ فَرْضًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحِيلٍ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ النَّاسِ فِي أَضَاحِيهِمْ.
وَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ أَيْضًا: أَرَأَيْتُمْ إنْ ضَحَّى الْإِمَامُ قَبْلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْأَضْحَى أَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَمًا لِأَضَاحِيِّ النَّاسِ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، أَتَوْا بِعَظِيمَةٍ وَإِنْ قَالُوا: لَا، صَدَقُوا، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي مُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ الْإِمَامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْمُدُنِ عَنْ عَطَاءٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute