قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ قَالَ النَّحْرُ يَوْمُ الْأَضْحَى وَحْدَهُ فَقَالَ: إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ فَلَا تُوجَدُ شَرِيعَةٌ بِاخْتِلَافٍ لَا نَصَّ فِيهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: صَدَقُوا، وَالنَّصُّ يُجِيزُ قَوْلَنَا عَلَى مَا نَأْتِي بِهِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا قَضَايَا عَظِيمَةً خَالَفُوا فِيهَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَيْفَ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا عَنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ وَإِنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفَ عَطَاءٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ -: الْإِجْمَاعَ، وَأُفٍّ لِكُلِّ إجْمَاعٍ يَخْرُجُ عَنْهُ هَؤُلَاءِ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حُجَّةً أَيْضًا، إلَّا أَنَّ أَيَّامَ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ وَلَيْسَ هَذَا حُجَّةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: وَفِعْلُ الْخَيْرِ حَسَنٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: ٣٦] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ وَقْتٍ بِغَيْرِ نَصٍّ، فَالتَّقْرِيبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّضْحِيَةِ حَسَنٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعَ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ.
وَقَدْ رُوِّينَا خَبَرًا يَلْزَمُهُمْ الْأَخْذُ بِهِ - وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ بِهِ وَيُعِيذُنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمُرْسَلٍ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ نَا مُسْلِمٌ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَا جَمِيعًا " بَلَغَنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute