مَا ذَكَرْنَا وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ كُلُّ مَا ذَكَّيْنَا وَلَا تَقْتَضِي الْآيَةُ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا وَهَهُنَا قَوْلَانِ لِبَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ، أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ بِالْحَيَوَانِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مَبْلَغًا يُوقَنُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَإِنْ ذُكِّيَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِمَّا أَصَابَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ الذَّكَاةِ حَرُمَ أَكْلُهُ وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ الذَّكَاةِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِمَّا أَصَابَهُ حَلَّ أَكْلُهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخِلَافٌ لِلْآيَةِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ الْمُزَنِيّ أَيْضًا وَسَنَسْتَقْصِي هَذَا فِي كِتَابِ الذَّكَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الدَّمُ فَإِنَّ قَوْمًا حَرَّمُوا الْمَسْفُوحَ وَحْدَهُ، وَهُوَ الْجَارِي، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] قَالُوا: فَإِنَّمَا حَرَّمَ الْمَسْفُوحَ فَقَطْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْهُمْ مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَالْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَا نَحْنُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ فَحَرَّمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ ثُمَّ حَرَّمَ بِالْمَدِينَةِ الدَّمَ كُلَّهُ جُمْلَةً عُمُومًا فَمَنْ لَمْ يُحَرِّمْ إلَّا الْمَسْفُوحَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَنْ حَرَّمَ الدَّمَ جُمْلَةً فَقَدْ أَخَذَ بِالْآيَتَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ حَرَّمَ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ فِيهَا كَالْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ وَالدَّمُ جُمْلَةً مِمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُهُ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ. نَا أَبُو سَعِيدٍ الْفَتَى نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ حَدَّثَنِي يَمُوتُ بْنُ المزرع نَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ نَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنْ الْمَكِّيِّ؟ فَقَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١٥١] إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ الْآيَاتِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هِيَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute