وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: ذَبَحَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَسًا، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: فَاقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ؛ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقُ: فَأَكَلُوهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أُهْدِيَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ لَحْمُ فَرَسٍ فَأَكَلَ مِنْهُ - وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا أَكَلْتُ لَحْمًا أَطْيَبَ مِنْ مَعْرَفَةِ بِرْذَوْنٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ لَحْمِ الْفَرَسِ، وَالْبَغْلِ، وَالْبِرْذَوْنِ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ حَرَامًا وَلَا يُفْتِي أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُحَرِّمْ الزُّهْرِيُّ الْبَغْلَ، وَأَمَّا فُتْيَا الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِ الْفَرَسِ فَتَكَادُ أَنْ تَكُونَ إجْمَاعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ كَرَاهَةَ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَلْقَمَةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُهُ فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ.
وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي الْبَغْلِ نَهْيٌ لَقُلْنَا بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْبَغْلَ وَلَدُ الْحِمَارِ، وَمُتَوَلِّدٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْبَغْلَ مُذْ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُ الْحِمَارِ، وَلَا يُسَمَّى حِمَارًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحِمَارِ، لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِتَحْرِيمِ الْحِمَارِ، وَالْبَغْلُ لَيْسَ حِمَارًا وَلَا جُزْءًا مِنْ الْحِمَارِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ: الْحِمَارُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَالْفَرَسُ، وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ، لِأَنَّهُمَا ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ قِيَاسٍ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَك؟ فَقَالَ: قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُ الْفَرَسِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ، وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ، فَهُمَا حَلَالٌ؛ فَهَلْ أَنْتُمَا فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فَرَسَا رِهَانٍ؟ أَوْ مَنْ قَالَ لَك: حِمَارٌ وَحْشٌ حَلَالٌ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ ذُو حَافِرٍ، فَالْفَرَسُ، وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ - وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ، بَلْ حِمَارُ الْوَحْشِ، وَالْفَرَسِ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْلِيلِهِمَا، وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ النُّصُوصِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute