للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْكُلَ مِمَّا قَتَلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى مُرْسِلِهِ أَمْسَكَ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ وَلَمْ نُكَلَّفْ قَطُّ هَذَا؟ إنَّمَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا نَأْكُلَ إذَا أَكَلَ، وَأُفٍّ أَوْ تُفٍّ لِكُلِّ عَقْلٍ يَعْتَرِضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَبَطَلَ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا جَوَازُ أَكْلِ كُلِّ مَا قَتَلَهُ الْمُعَلَّمُ مِنْ غَيْرِ الْكِلَابِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ صَيْدٍ قَتَلَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجَوَارِحِ إلَّا الْمُعَلَّمَ مِنْ الْكِلَابِ وَحْدَهُ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ فَأَكَلَ مَا قَتَلَ جَائِزٌ.

وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَاءَتْ فِي الْكَلْبِ فَقَطْ، قَالُوا: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] إشَارَةٌ إلَى الْكِلَابِ قَالُوا: وَسِبَاعُ الطَّيْرِ، وَسِبَاعُ الْبَرِّ، لَا يُمْكِنُ فِيهَا تَعْلِيمٌ أَصْلًا حَاشَا الْكِلَابِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَمَا قَالُوا إلَّا أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: ٤] فَعَمَّ كُلَّ جَارِحٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِخَبَرٍ فِيهِ بَعْضُ مَا فِي الْآيَةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ، بَلْ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّ صَيْدَ غَيْرِ الْكِلَابِ جَائِزٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَلْبَتَّةَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهَا فِي حَالِ الْكِلَابِ - فَصَحَّ أَنَّهَا غَيْرُ الْكِلَابِ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَا عَدَا الْكِلَابَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ الْمَذْكُورَ أَصْلًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهَا نَوْعٌ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ فَلَا يَنْطَلِقُ حَتَّى يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ، وَإِذَا صَادَ لَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا قَتَلَتْ إلَّا مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ وَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يُؤْكَلُ صَيْدُ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ إلَّا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْنَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>