للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «انْتَبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا، وَلَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا» فَإِنَّمَا سَمِعَهُ يَحْيَى مِنْ كِلَابِ بْنِ عَلِيٍّ، وَثُمَامَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - فَسَقَطَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْخَلِيطَيْنِ هَكَذَا مُطْلَقًا لَا يُدْرَى مَا هُمَا أَهُمَا الْخَلِيطَانِ فِي الزَّكَاةِ أَمْ فِي مَاذَا؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ ثَرِيدَ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ خَلِيطَانِ، وَاللَّبَنَ وَالْمَاءَ خَلِيطَانِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مُرَادِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ بَيَانُ مُرَادِهِ إلَّا مِنْ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْأَثَرِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ الْأُبُلِّيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ كَانَ يَكُونُ حُجَّةً عَظِيمَةً قَاطِعَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَعْرِفُوا مَا الْخَلِيطَانِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُمَا حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ؟ فَفَسَّرَهُمَا لَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُمَا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ غَيْرَهُمَا لَمَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ وَقَدْ سَأَلُوهُ الْبَيَانَ؟ هَذَا مَا لَا يُحِيلُ عَلَى مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ أَعْظَمَ التَّلْبِيسِ عَلَيْهِمْ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَهُنَا شَيْئًا زَائِدًا سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِأُمَّتِهِ فَقَدْ افْتَرَى الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَلْحَدَ فِي الدِّينِ بِلَا شَكٍّ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا.

وَأَمَّا خَبَرُ أَنَسٍ فَمِنْ طَرِيقِ وِقَاءِ بْنِ إيَاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ كَلَامٌ فَاسِدٌ لَا يُعْقَلُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا مَعْنَى يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي النَّبِيذِ.

فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَاهُ يُعَجِّلُ أَحَدُهُمَا غَلَيَانَ الْآخَرِ؟ قُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ الْعَلَانِيَةُ وَمَا يَغْلِي تَمْرٌ وَزَبِيبٌ جَمْعًا فِي النَّبِيذِ إلَّا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَغْلِي فِيهَا الزَّبِيبُ وَحْدَهُ؛ أَوْ التَّمْرُ وَحْدَهُ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ؛ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ بِيَقِينٍ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قِسْنَا سَائِرَ الْخَلْطِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ بِأَوْلَى أَنْ تَقِيسُوا التِّينَ، وَالْعَسَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ آخَرَ أَرَادَ أَنْ يَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ اللَّبَنَ وَالسُّكَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>