للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَيْنَا نَبْغِي الْوَحْشَ جَاءَ غُلَامُنَا ... يَدِبُّ وَيُخْفِي شَخْصَهُ وَيُضَائِلُهُ

فَقَالَ شِيَاهٌ رَائِعَاتٌ بِقَفْرَةٍ ... بِمُسْتَأْسِدِ الْقِرْيَانِ حُوٌّ مَسَائِلُهُ

ثَلَاثٌ كَأَقْوَاسِ السِّرَاءِ وَمِسْحَلٌ ... قَدْ اخْضَرَّ مِنْ لَسِّ الْغَمِيرِ جَحَافِلُهُ

وَقَدْ خَرَمَ الطِّرَادَ عَنْهُ جِحَاشُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إلَّا نَفْسُهُ وَحَلَائِلُهُ

ثُمَّ مَضَى فِي الْوَصْفِ إلَى أَنْ قَالَ:

فَتَبِعَ آثَارَ الشِّيَاهِ وَلِيدُنَا ... كَشُؤْبُوبِ غَيْثٍ يَحْفِشُ الْأَكَمَ وَابِلُهُ

فَرَدَّ عَلَيْنَا الْعَيْرَ مِنْ دُونِ إلْفِهِ ... عَلَى رَغْمِهِ يَدْمَى نَسَاهُ وَفَائِلُهُ

فَسَمَّى " الشِّيَاهَ " ثُمَّ فَسَّرَهَا بِأَنَّ لَهَا " مِسْحَلًا وَجِحَاشًا " وَأَنَّهَا عَيْرٌ وَأَتَانُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلَّا قُلْتُمْ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَبِأَخْذِ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ وَزَكَاةِ الْإِبِلِ، وَفِي الْعَقِيقَةِ، وَالنُّسُكِ؟ قُلْنَا: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ فِي الزَّكَاةِ إنَّمَا جَاءَ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ كِتَابِهِ «فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ» .

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» .

وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» . وَاسْمُ الْغَنَمِ لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إلَّا عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فَقَطْ، فَوَجَبَ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّكَاةِ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا مِنْ الْغَنَمِ، وَلَا يُعْطِي فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ إلَّا الْغَنَمَ.

وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْغَنَمِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] .

وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَاَلَّذِي هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي الصَّدَقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، فَلَا تُجْزِئُ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا مَا جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ يَجْزِي كَزَكَاةِ الْإِبِلِ مِنْ الْغَنَمِ، وَزَكَاةِ الْغَنَمِ مِنْ غَنَمٍ يَأْتِي بِهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا الْعَقِيقَةُ، وَالنُّسُكُ - فَقَدْ قُلْنَا: لَا يَقَعُ اسْمُ شَاةٍ بِالْإِطْلَاقِ فِي اللُّغَةِ أَصْلًا عَلَى غَيْرِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَى الظِّبَاءِ، وَحُمْرِ الْوَحْشِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>