للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي مَسْجِدِ إيلْيَاءَ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِيهِ فَقَطْ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .

فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَالَ عَلِيٌّ: لِمَا أَخْبَرَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ هَهُنَا - يَعْنِي بِمَكَّةَ - تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ وُجُوبُ نَذْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَصَحَّ أَنَّهُ نَدْبٌ مُبَاحٌ وَكَانَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ لَازِمًا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ، «فَلَمَّا رَاجَعَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَشَأْنَكَ إذًا» تَبَيَّنَ وَصَحَّ أَنَّ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ نَدْبٌ لَا فَرْضٌ أَيْضًا، هَذَا مَا لَا يُمْكِنُ سِوَاهُ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ غَيْرَهُ - فَصَارَ كُلُّ ذَلِكَ نَدْبًا فَقَطْ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُوجِبُونَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضًا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، عَلَى الْكِفَايَةِ لَا مُتَعَيِّنًا عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ.

وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا عَمَّنْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ كَانَتْ صَلَاةً سَادِسَةً؟ وَبَدَّلَ الْقَوْلَ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُبَدَّلُ لَدَيْهِ.

فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ سَأَلْنَاهُ: مَا الْفَرْقُ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ أَبَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَلَوْ نَذَرَ النُّهُوضَ إلَى مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا لَزِمَهُ النُّهُوضُ إلَيْهَا وَلَا بُدَّ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَلْزَمُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ هُنَالِكَ مَا أَدْرَكَهُ وَقْتُهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ فِيهَا مِنْ التَّطَوُّعِ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ هُوَ هُنَالِكَ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اذْهَبْ فَتَجَهَّزْ؟ فَتَجَهَّزَ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً.

وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَمَرَتْهَا بِأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>