للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفْعَلُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَكَ مِنْ الْخَيْرِ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قُلْتُ: فَوَاَللَّهِ لَا أَدَعُ شَيْئًا صَنَعَتْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا فَعَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ» فَهَذَا نَذْرٌ مِنْ حَكِيمٍ فِي عِتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ، وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا أَنْكَرَ نَذْرَ الْأَنْصَارِيَّةِ نَحْرَ النَّاقَةِ الَّتِي لَمْ تَمْلِكْهَا - فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّ الْجَائِزَ هُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا بُدَّ، لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» .

وَأَمْرُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَتَكَلَّمَ: بِأَنْ يَصُومَ وَيَطْرَحَ مَا سِوَى ذَلِكَ - وَنَهْيُهُ عَنْ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ نَجِدْ نَذْرًا فِي الْعَالَمِ يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ.

وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِكُلِّ وَجْهٍ حُكْمَهُ، فَكَانَ مَنْ اسْتَعْمَلَ فِي أَحَد تِلْكَ الْوُجُوهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فَقَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَا لَا يُحَالُ بِهِ حُكْمُ تِلْكَ النُّصُوصِ عَنْ أَحْكَامِهَا -: فَوَجَدْنَاهُ إذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ صَحَّ حُكْمُهُ، وَهُوَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فَقَطْ كَمَا فِي نَصِّ الْخَبَرِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَمْ يَلْتَزِمْهَا وَلَا جَاءَ بِالْتِزَامِهِ إيَّاهَا نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ قَالَ: إنْ تَخَلَّصْت مِمَّا أَنَا فِيهِ فَعَلَيَّ نَذْرٌ، وَسَوَاءٌ تَخَلَّصَ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّصْ: عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: عَلَيَّ حَرَامٌ، عَلَيَّ نَذْرٌ؟ قَالَ: اعْتِقْ رَقَبَةً، أَوْ صُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>