كُنْت أَضَعُ لِعُثْمَانَ طَهُورَهُ فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يَوْمٌ إلَّا وَهُوَ يَفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً. فَقَدْ ثَبَتَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ مِنْ الْأَيَّامِ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَنَا، لَوَجَبَ أَنْ لَا يُظَنَّ بِمِثْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَا يُقْطَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِطَاعَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ، كَمَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَسَائِرِ اللَّوَازِمِ لَهُ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ لَنَا ذَلِكَ. وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَهَذَا الْخَبَرُ عَنْهُمْ حُجَّةٌ لَنَا ظَاهِرَةٌ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ عُمَرَ قَطَعَ الْخُطْبَةَ مُنْكِرًا عَلَى عُثْمَانَ أَنْ لَمْ يَصِلْ الْغُسْلَ بِالرَّوَاحِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَرْضًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَمَا قَطَعَ لَهُ الْخُطْبَةَ، وَعُمَرُ قَدْ حَلَفَ " وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالْوُضُوءِ " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ عِنْدَهُ فَرْضًا لَمَا كَانَتْ - يَمِينُهُ صَادِقَةً وَاَلَّذِي حَصَلَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ الصَّحَابَةِ بِلَا شَكٍّ فَهُوَ إنْكَارُ تَرْكِ الْغُسْلِ، وَالْإِعْلَانُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَظُنَّ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يَسْتَجِيزَ خِلَافَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] فَصَحَّ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً لَنَا وَإِجْمَاعًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ آخَرُ يَقُولُ لِعُمَرَ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ أَجَابَ عُمَرَ فِي إنْكَارِهِ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِ أَمْرَ الْغُسْلِ بِأَحَدِ أَجْوِبَةٍ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهَا: إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ كُنْت اغْتَسَلْت قَبْلَ خُرُوجِي إلَى السُّوقِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: بِي عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الْغُسْلِ، أَوْ يَقُولَ لَهُ: أُنْسِيتُ وَهَا أَنَا ذَا رَاجِعٌ فَأَغْتَسِلُ، فَدَارُهُ كَانَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَشْهُورَةٌ إلَى الْآنِ أَوْ يَقُولُ لَهُ: سَأَغْتَسِلُ، فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. أَوْ يَقُولُ لَهُ: هَذَا أَمْرُ نَدْبٍ وَلَيْسَ فَرْضًا، وَهَذَا الْجَوَابُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خُصُومِنَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ التَّعَلُّقَ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ مِنْ جُمْلَةِ خَمْسَةِ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُمْكِنٌ، وَكُلُّهَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا أَصْلًا؟ دُونَ أَنْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْأَجْوِبَةِ الْأُخَرِ الَّتِي هِيَ أَدْخَلُ فِي الْإِمْكَانِ مِنْ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ، لِأَنَّهَا كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَا خَاطَبَهُ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَاَلَّذِي تَعَلَّقُوا هُمْ بِهِ تَكَهُّنٌ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ رَأَوْا الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute