للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ أَحْكَامِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقْدِيمَ الْحِنْثِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ.

وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَالْكَفَّارَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ الَّتِي لَا تُعْطِي رُتْبَةً - هَكَذَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهَا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا تَحِلُّ مُخَالَفَةُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، فَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْحَذْفَ الَّذِي فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَرَدْتُمْ الْحِنْثَ أَوْ حَنِثْتُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلْيُكَفِّرْ ثُمَّ لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٧] .

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: ١٥٤] .

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [الأعراف: ١١] .

قَالَ هَذَا الْقَائِلُ: وَلَفْظَةُ " ثُمَّ " فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَا تُوجِبُ تَعْقِيبًا، بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ مَا عَطَفَ اللَّفْظَ عَلَيْهِ " بِثُمَّ ".

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا -: أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٧] فَإِنَّ نَصَّ الْآيَاتِ هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: ١٢] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: ١٤] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: ١٥] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: ١٧] .

وَقَدْ ذَكَرْنَا «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ الْخَيْرِ» فَصَحَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَظِيمُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي قَبُولِهِ كُلَّ عَمَلِ بِرٍّ عَمِلُوهُ فِي كُفْرِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَالْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى سَائِرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَبُولِهِ تَعَالَى أَعْمَالَ مَنْ آمَنَ ثُمَّ عَمِلَ الْخَيْرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>