للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتُسَاوِي الْأَمَةُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ - أَوْ تَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَقَدْ أَصْفَقُوا عَلَى أَنَّ الدِّيَاتِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَعَلَى جَوَازِ تَفْضِيلِ دِيَةِ عُضْوِ الْمَرْأَةِ عَلَى دِيَةِ عُضْوِ الرَّجُلِ، بِخِلَافِ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ - فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ جُمْلَةً بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ وَبِغَيْرِهَا أَيْضًا - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينِ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُسَلِّمُهُ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا غَيْرَ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُ مَالٍ عَنْ يَدِ صَاحِبِهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا هَاهُنَا نَصٌّ أَصْلًا، فَسَقَطَ أَيْضًا جُمْلَةً.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُمَا أَشَدَّ الْأَقْوَالِ فَسَادًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ مَا نَعْرِفُ هَذَيْنِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَبْلَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَظُلْمٌ بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ أَنْ يَكُونَ يَقْطَعُ يَدَ جَارِيَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَلَا يَقْضِي لِصَاحِبِهَا إلَّا بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا غَيْرَ مَا تُسَاوِي مِنْ الذَّهَبِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَيَكُونُ تُغْصَبُ لَهُ خَادِمٌ أُخْرَى قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ فَتَمُوتُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَغْرَمُ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ كَامِلَةً، عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الدِّثَارُ وَالدَّمَارُ - وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَتَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ مَا تَخَلَّصُوا مِنْهُ لَوْ قِيلَ لَهُمْ: بَلْ فِي الْمُنَقِّلَةِ، وَالْجَائِفَةِ، وَالْمَأْمُومَةِ -: مَا نَقَصَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ فَمِنْ ثَمَنِهِ بِقَدْرِهَا مِنْ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ إلَّا مَحْرُومٌ.

وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ جِرَاحَاتٌ يُشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَتْلَفَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَبْرَأَ، وَلَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ وَلَا ضَرَرٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَاجْعَلُوا هَذَا دَلِيلَكُمْ فِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا إلَّا مَا نَقَصَ فَقَطْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحُكْمُ عَلَى الْجَانِي بِمَا نَقَصَ فِيمَا جَنَاهُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ خِصَاءٍ، أَوْ مَأْمُومَةٍ، أَوْ جَائِفَةٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا، ثُمَّ يُقَوَّمَ فِي أَصْعَبِ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ حَالُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَأَشَدِّ مَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>