للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَالُوا: هَذَا مَنْسُوخٌ؟ قِيلَ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ خَصْمَكُمْ يَعْجِزُ عَنْ أَنْ يَقُولَ لَكُمْ: وَالْحَبْسُ فِي التُّهْمَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» ؟ وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ التُّهْمَةِ مَنْسُوخٌ بِوُجُوبِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَالْجَمَاعَاتِ وَحَدِيثُ الْحَبْسِ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَتَهُ مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.

وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْهَرَبُ بِغَنِيمَتِهِ فَحُبِسَ لِيَبِيعَهَا، وَهَذَا حَقٌّ لَا نُنْكِرُهُ وَلَيْسَ فِيهِ الْحَبْسُ الَّذِي يَرَوْنَ هُمْ، وَلَا أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا. وَقَدْ يَكُونُ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي بَاعَهَا رَاجِعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ إمْسَاكًا فِي الْمَدِينَةِ.

وَلَيْسَ فِيهِ أَصْلًا أَنَّهُ حُبِسَ فِي سِجْنٍ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا هُوَ حَبْسٌ فِي قَتِيلٍ، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَحْبِسُ مَنْ لَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ قَتْلٌ بِسِجْنٍ فَيَسْجُنُ الْبَرِيءَ مَعَ النُّطَفِ، هَذَا فِعْلُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعَدُوَّانِ، لَا فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَاَللَّهِ لَقَدْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَا بَيْنَ أَظْهُرِ شَرِّ الْأُمَّةِ وَهُمْ الْيَهُودُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَمَا اسْتَجَازَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سِجْنَهُمْ، فَكَيْفَ أَنْ يَسْجُنَ فِي تُهْمَةٍ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ فَهَذَا الْبَاطِلُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ.

ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي إلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ فِي التُّهْمَةِ بِالدَّمِ وَغَيْرِهِ؟ فَإِنْ حَدُّوا حَدًّا زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ.

وَإِنْ قَالُوا: إلَى الْأَبَدِ، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ، فَهُمْ أَبَدًا يَتَكَسَّعُونَ فِي ظُلْمَةِ الْخَطَأِ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] هَذِهِ أَحْكَامٌ مَنْسُوخَةٌ.

فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَسْتَشْهِدُ بِآيَةٍ قَدْ نُسِخَتْ، وَبَطَلَ حُكْمُهَا فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ أَيْضًا، وَفِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ لَا نَصَّ وَلَا دَلِيلَ وَلَا أَثَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>