للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ وَجَدَ مِنْ نَوْعِ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَلْيَأْخُذْ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذْ غَيْرَ نَوْعِهِ. وَاحْتَجَّتْ هَذِهِ الطَّوَائِفُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كُنْت أَكْتُبُ لِفُلَانٍ نَفَقَةَ أَيْتَامٍ كَانَ وَلِيَّهُمْ فَغَالَطُوهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاهَا إلَيْهِمْ، فَأَدْرَكَتْ لَهُمْ مِنْ مَالِهِمْ مِثْلُهَا، قُلْت: اقْبِضْ الْأَلْفَ الَّذِي ذَهَبُوا بِهَا مِنْك؛ قَالَ: لَا، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» وَنَحْوُهُ -: عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسٍ هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ - عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِي حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَحَدَنِي فَدَانَ لَهُ عِنْدِي حَقٌّ أَفَأَجْحَدُهُ؟ قَالَ: لَا، أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَدُوسٍ يُقَالُ لَهُ: دَيْسَمٌ قُلْنَا لِبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ: لَنَا جِيرَانٌ مَا تَشِذُّ لَنَا قَاصِيَةٌ إلَّا ذَهَبُوا بِهَا وَإِنَّهُ يَمْضِي لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِ أَشْيَاءُ فَنَذْهَبُ بِهَا؟ قَالَ: لَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا - وَكُلُّ هَذَا لَا شَيْءَ -: أَمَّا حَدِيثُ فُلَانٍ عَنْ أَبِيهِ نَاهِيَك بِهَذَا السَّنَدِ، لَيْتَ شِعْرِي مِنْ فُلَانٍ؟ وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ دِينٍ أُخِذَ عَنْ فُلَانٍ الَّذِي لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ، وَلَا مَا اسْمُهُ، وَلَا مَنْ أَبُوهُ وَلَا اسْمُهُ.

وَالْآخَرُ طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ.

وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ، وَفِيهِ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

وَحَدِيثُ بَشِيرٍ عَنْ رَجُلٍ يُسَمَّى دَيْسَمًا مَجْهُولٌ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ نَصَّهَا «لَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ، وَأَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ» وَلَيْسَ انْتِصَافُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِّهِ خِيَانَةً، بَلْ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَإِنْكَارُ مُنْكِرٍ، وَإِنَّمَا الْخِيَانَةُ أَنَّ تَخُونَ بِالظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مَنْ لَا حَقَّ لَك عِنْدَهُ، وَلَا مِنْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ إلَيْك مِنْ حَقِّك، أَوْ مِنْ مِثْلِهِ إنْ عَدَمَ حَقَّك، وَلَيْسَ رَدُّ الْمَظْلَمَةِ أَدَاءَ أَمَانَةٍ، بَلْ هُوَ عَوْنٌ عَلَى الْخِيَانَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>