وَالْعَجَبُ: أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا يَقُولُونَ: إنْ وَكَّدَ كُلَّ عَقْدٍ عَقَدَهُ بِيَمِينٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَقَطْ، ثُمَّ يُلْزِمُونَهُ إيَّاهُ إذَا لَمْ يُؤَكِّدْهُ، فَتَرَاهُمْ كُلَّمَا أَكَّدَ الْعَاقِدُ عَقْدَهُ انْحَلَّ عَنْهُ، وَإِذَا يُؤَكِّدُهُ لَزِمَهُ، وَهَذَا مَعْكُوسٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَلْزَمُ لِوُجُوهٍ -:
أَحَدُهَا: أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَا تَلْزَمُنَا، قَالَ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ، فَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهَا: وَأُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً» .
وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي» فَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهَا: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَلَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا، وَإِذْ لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا فَلَا يَلْزَمُنَا شَرْعٌ لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا الْإِيمَانُ بِأَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ لَازِمٌ لِمَنْ بُعِثُوا إلَيْهِ فَقَطْ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُلْزِمُونَ مَنْ قَالَ: لِمَنْ جَاءَنِي بِكَذَا حِمْلُ بَعِيرٍ الْوَفَاءَ بِمَا قَالَ لِأَنَّ هَذَا الْحِمْلَ لَا يُدْرَى مِمَّ هُوَ؟ أَمِنْ اللُّؤْلُؤِ، أَوْ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ مِنْ رَمَادٍ، أَوْ مِنْ تُرَابٍ؟ وَلَا أَيُّ الْبُعْرَانِ هُوَ؟ وَمِنْ الْبُعْرَانِ الضَّعِيفُ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِعِشْرِينَ صَاعًا، وَمِنْهُمْ الْقَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِثَلَاثِمِائَةِ صَاعٍ، وَلَا أَشَدَّ مُجَاهِرَةً بِالْبَاطِلِ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ قَطُّ ذَلِكَ الْأَصْلَ.
وَأَيْضًا: فَحَتَّى لَوْ كَانَ فِي شَرِيعَتِنَا لَمَا كَانَ حُجَّةً عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute