وَخَصَّهَا بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَاتِ وَالضَّوَالِّ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَا عَرَفَ رَبُّهُ فَلَيْسَ ضَالَّةً؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضِلَّ جُمْلَةً، بَلْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ وَإِنَّمَا الضَّالَّةُ مَا ضَلَّتْ جُمْلَةً فَلَمْ يَعْرِفْهَا صَاحِبُهَا أَيْنَ هِيَ؟ وَلَا عَرَفَ وَاجِدُهَا لِمَنْ هِيَ، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَشْدِهَا.
وَبَقِيَ حُكْمُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى إحْرَازُ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إلَّا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عُمَّالِهِ لَا تَضُمُّوا الضَّوَالَّ فَلَقَدْ كَانَتْ الْإِبِلُ تَتَنَاتَجُ هَمَلًا وَتَرِدُ الْمِيَاهَ لَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَيَأْخُذُهَا، حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ كَتَبَ: أَنْ ضُمُّوهَا وَعَرِّفُوهَا؟ فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا فَبِيعُوهَا وَضَعُوا أَثْمَانَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَادْفَعُوا إلَيْهَا الْأَثْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الشَّاةِ تُوجَدُ بِالْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ، فَقَالَ لِي: عَرِّفْهَا مَنْ دَنَا لَك، فَإِنْ عُرِفَتْ فَادْفَعْهَا إلَى مَنْ عَرَفَهَا وَإِلَّا فَشَاتُك وَشَاةُ الذِّئْبِ فَكُلْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا دَعْهَا إلَّا أَنْ تَعْرِفَ صَاحِبَهَا فَتَدْفَعُهَا إلَيْهِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: إنِّي وَجَدْت شَاةً؟ فَقَالَتْ: اعْلِفِي وَاحْلِبِي وَعَرِّفِي، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَتْ: تُرِيدِينَ أَنْ آمُرُك بِذَبْحِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةٍ وَجَدَهَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَصْلِحْ إلَيْهَا وَانْشُدْ، قَالَ: فَهَلْ عَلَيَّ إنْ شَرِبْت مِنْ لَبَنِهَا؟ قَالَ: مَا أَرَى عَلَيْك فِي ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute