قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ لَزِمَهُ الْحَجْرُ بِيَقِينٍ، فَلَا يَنْحَلُّ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ آخَرَ -: فَقَوْلٌ صَحِيحٌ، وَالْيَقِينُ قَدْ وَرَدَ، وَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالصَّدَقَةِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ بِالْعِتْقِ، بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا بَلَغَ، وَعَلَى النِّكَاحِ إذَا كَانَ مُخَاطَبًا بِسَائِرِ الشَّرَائِعِ وَلَا فَرْقَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَشْيَاءَ يَجِبُ إيرَادُهَا، وَبَيَانُ فَاسِدِ احْتِجَاجِهِمْ بِهَا، وَوَضْعِهِمْ النُّصُوصَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] قَالُوا: فَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ نَدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ مَعَ إينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، لَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: ٥] فَنَهَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إيتَاءِ السُّفَهَاءِ الْمَالَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُرْزَقُوا مِنْهَا فِي الْأَكْلِ وَيُكْسَوْا، وَيُقَالَ لَهُمْ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: ٢٨٢] فَأَوْجَبَ الْوَلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ، وَالضَّعِيفِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: ٢٦] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: ٢٧] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: ١٤١] فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى السَّرَفَ، وَالتَّقْتِيرَ، وَالتَّبْذِيرَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] هَذَا كُلُّ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْقُرْآنِ، وَكُلُّهُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِهِمْ - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَعْلَمُ مِنْ الْقُرْآنِ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا.
وَذَكَرُوا مِنْ السُّنَّةِ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» . وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَمْرُو بْنُ هَارُونَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute