للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَيْنِهِ، وَهُمْ يَقُولُونَ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ - أَنَّ مَنْ بَايَعَ آخَرَ شَيْئًا غَائِبًا وَتَعَاقَدَا إسْقَاطَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَلْزَمُ.

وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: مَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَةً وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَقُومَ بِجَائِحَةٍ، وَعَقَدَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَا يَلْزَمُهُ، فَأَيْنَ احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] . فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ عُقُودٌ قَامَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا؟ قُلْنَا: وَعَقْدُ الْبَيْعِ عَقْدٌ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ حَقًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ بَعْدَ التَّخْيِيرِ، بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي خَصَّصْتُمْ بِهَا مَا خَصَّصْتُمْ مِنْ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ.

وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَإِنَّ الْحَيَاءَ لَقَلِيلٌ فِي وَجْهِ مَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلِهَا - أَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ الِاحْتِجَاجَ بِأَنَّهُمْ قَدْ عَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَخَالَفُوهَا، وَلَمْ يَرَوْهَا حُجَّةً فِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ؟ وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ التَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ وَلَا ذُكِرَ مِنْهُ أَصْلًا.

وَالثَّالِثِ: أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ إيجَابُ الْإِشْهَادِ إذَا تَبَايَعْنَا، وَاَلَّذِي جَاءَنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ - وَلَوْلَاهُ لَمْ نَدْرِ مَا الْمَبِيعُ الْمُبَاحُ مِنْ الْمُحَرَّمِ أَلْبَتَّةَ - هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ لَا بَيْعَ أَصْلًا إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا أَوْ التَّخْيِيرِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْإِشْهَادِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، أَوْ التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا إلَّا بَعْدَ أَحَدِهِمَا وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ الْمُخَالِفِينَ؟ ثُمَّ مَوَّهُوا بِإِيرَادِ أَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ وَغَيْرِ ثَابِتَةٍ، مِثْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا ابْتَعْت بَيْعًا فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>