وَقَدْ أَجْمَعُوا وَصَحَّتْ السُّنَنُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ التَّمْرِ، وَالْعِنَبِ، وَالزَّبِيبِ، وَفِيهَا النَّوَى، وَأَنَّ النَّوَى دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضِ كَمَا هُوَ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْهُ مَا فِي دَاخِلِهِ، وَدَخَلَ الْقِشْرُ فِي الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ.
وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّيْتِ، وَالسِّمْسِمُ بِمَا فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ، وَالشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ كَمَا هِيَ - فَلَيْتَ شِعْرِي: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، الْمِسْكُ فِي نَافِجَتِهِ مَعَ النَّافِجَةِ، وَالْعَسَلُ فِي شَمْعِهِ مَعَ الشَّمْعِ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، وَلَا رَأْيٍ يَصِحُّ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَيْعٌ قَدْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] لَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا، فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْهُ فَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْلِيلِهِ.
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَرَرٌ؟ قُلْنَا: أَوْ لَيْسَ عَلَى قَوْلِكُمْ هَذَا سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا غَرَرًا أَيْضًا؟ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ، وَأَمَّا الْحَقُّ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ غَرَرًا؛ لِأَنَّهُ جِسْمٌ وَاحِدٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا هُوَ وَكُلُّ مَا فِي دَاخِلِهِ بَعْضٌ لِجُمْلَتِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مُغَيَّبِ الْمَعْرِفَةِ بِصِفَةِ مَا فِي الْقِشْرِ - بَيْنَ كَوْنِهِ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ فِي قَشِرَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ - وَهُوَ قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْبَيْضِ فِي غُلَافَيْنِ بِالْعَيَانِ، إحْدَاهُمَا: الْقِشْرُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْقَيْضُ، وَالثَّانِي: الْغِرْقِئُ، وَلَا غَرَضَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا فِيمَا فِيهِمَا، لَا فِيهِمَا - مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَا قَدَرْنَا عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ الْغَرَرِ فَعَلَيْنَا أَنْ نُزِيلَهُ؟ قُلْنَا: وَإِنَّكُمْ لَقَادِرُونَ عَلَى إزَالَةِ الْقِشْرِ الثَّانِي فَأَزِيلُوهُ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّهُ غَرَرٌ -.
فَإِنْ قَالُوا: لَا ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى اللَّوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْقَسْطَلِ، وَالْبَلُّوطِ؟ قُلْنَا: لَا، مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَلُّوطِ، وَلَا عَلَى الْقَسْطَلِ، وَلَا عَلَى اللَّوْزِ - فِي الْأَكْثَرِ -.
وَأَيْضًا: فَلَا ضَرَرَ عَلَى التَّمْرِ فِي إزَالَةِ نَوَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute