للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَخِيضِ لَبَنٍ قَبْلَ أَنْ يُمْخَضَ، وَلَا الْمَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ.

بُرْهَانُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] .

وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] .

فَكُلُّ بَيْعٍ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ تَحْرِيمُهُ بِاسْمِهِ مُفَصَّلًا فَهُوَ حَلَالٌ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى - وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَمَالٌ لِلْبَائِعِ وَمِلْكٌ لَهُ يَبِيعُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ وَيُمْسِكُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، فَمَا ظَهَرَ مِنْ مَالِهِ وَرُئِيَ، أَوْ وَصَفَهُ مَنْ رَآهُ: فَبَيْعُهُ جَائِزٌ - وَيُمْسِكُ مَا لَمْ يَرَهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمَجْهُولِ - كَمَا قَدَّمْنَا - أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا حَاضِرًا أَوْ مَوْصُوفًا غَائِبًا.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَحِلُّ اسْتِثْنَاءُ لَبَنٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْدُثُ إذَا أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَالِ غَيْرِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِيمَا بَاعَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ - وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ بَيْعِ حَيَوَانٍ إلَّا عُضْوًا مُسَمًّى مِنْهُ.

وَأَجَزْنَا بَيْعَ الْحَامِلِ دُونَ حَمْلِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ، أَوْ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ: أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِذَبْحِهِ، فَفِي هَذَا الْبَيْعِ اشْتِرَاطُ ذَبْحِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ عَلَى بَائِعِ الْعُضْوِ مِنْهُ، أَوْ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا عُضْوًا مِنْهُ، وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا يُوَافِقُنَا الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ مِنْ خُصُومِنَا.

وَأَمَّا الْحَمْلُ، وَالصُّوفُ، وَالْوَبَرُ، وَالشَّعْرُ، وَقَرْنُ الْإِبِلِ، وَكُلُّ مَا يُزَايِلُ الْحَيَوَانَ بِغَيْرِ مُثْلَةٍ وَلَا تَعْذِيبٍ، فَكَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَالٌ لِبَائِعِهِ يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ وَيُمْسِكُ مَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ، أَوْ مُثْلَةٌ بِحَيَوَانٍ أَوْ إضْرَارٌ بِهِ فَلَا يَحِلُّ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا مَنْعُنَا مِنْ بَيْعِ الْمَخِيضِ دُونَ السَّمْنِ قَبْلَ الْمَخْضِ، وَمِنْ بَيْعِ الْمَيْشِ دُونَ الْجُبْنِ قَبْلَ عَصْرِهِ، فَلِأَنَّهُ لَا يُرَى، وَلَا يَتَمَيَّزُ، وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، فَقَدْ يَخْرُجُ الْمَخْضُ وَالْعَصِيرُ قَلِيلًا، وَقَدْ يَخْرُجُ كَثِيرًا - وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ عُصَارَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، دُونَ الدُّهْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الزَّيْتُونَ، وَالسِّمْسِمَ، وَاللَّوْزَ، وَالْجَوْزَ كُلُّ ذَلِكَ مَرْئِيٌّ مَعْرُوفٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>