كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ - وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ - قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبِي قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: دَخَلَتْ بَرِيرَةُ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ - وَقَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لَا تَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلَائِي؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا؟ فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلَاءَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ تَزَيُّدٍ، وَلَا ظَنٍّ كَاذِبٍ، مُضَافٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَحْرِيفِ اللَّفْظِ، وَهُوَ إنْ اشْتَرَطَ الْوَلَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ لِلْعِتْقِ كَانَ لَا يَضُرُّ الْبَيْعَ شَيْئًا، وَكَانَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ جَائِزًا حَسَنًا مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ الْوَلَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ، وَكَانَ اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ مُبَاحًا غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ، إذْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَحِينَئِذٍ حَرَّمَ أَنْ يُشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطُ أَوْ غَيْرُهُ جُمْلَةً، إلَّا شَرْطًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] .
وَقَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦]
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُبِيحُ الْبَاطِلَ، وَلَا يَغُرُّ أَحَدًا وَلَا يَخْدَعُهُ - فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَجَزْتُمْ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟
قُلْنَا: لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاطُهُمْ عِتْقَهَا أَصْلًا وَلَوْ كَانَ لَقُلْنَا بِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا إنْ أُعْتِقَتْ يَوْمًا مَا، أَوْ إنْ أَعْتَقَتْهَا، إذْ إنَّمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا لِأَنْفُسِهِمْ فَقَطْ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْأَخْبَارِ شَيْءٌ، لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَاذِبًا، إلَّا أَنَّنَا نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَوْ كَانَ جَائِزًا لَنَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَبَيَّنَهُ، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ بِشَرْطِ الصَّدَقَةِ، أَوْ بِشَرْطِ الْهِبَةِ؛ أَوْ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute