فَنَحْنُ نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ كَانَ شَرْطًا، ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ» .
وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ» كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا.
صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُمَا أَخْذَانِ: أَحَدُهُمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ لَمْ يَفْعَلْهُ، بَلْ انْتَفَى عَنْهُ، وَمَنْ جَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ أَخْذًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَلَامِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُمَا أَخْذَانِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نَفْسِهِ هُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ الْأَخْذِ الَّذِي انْتَفَى عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، فَلَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَهُوَ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَهُ وَابْتَاعَهُ، ثُمَّ تَخَيَّرَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ تَرَكَ أَخْذِهِ.
وَصَحَّ أَنَّ فِي حَالِ الْمُمَاكَسَةِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُمَاكِسْهُ لِيَأْخُذَ جَمَلَهُ -.
فَصَحَّ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ قَطُّ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ جَابِرٌ رُكُوبَ جَمَلِ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْأَخْبَارِ، إذَا جُمِعَتْ أَلْفَاظُهَا.
فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلًا: أَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِذَلِكَ الشَّرْطِ، فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: حُجَّةٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَلَا يَقُولُونَ بِجَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ أَصْلًا، فَإِنَّمَا الْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيِّينَ فِيهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْدِيدُ يَوْمٍ، وَلَا مَسَافَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ تَحْدِيدُ مِقْدَارٍ دُونَ مِقْدَارٍ؟
وَيَلْزَمُهُمْ إذْ لَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ الدَّابَّةِ عَلَى شَرْطِ رُكُوبِهَا شَهْرًا - وَلَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ - وَأَبْطَلُوا هَذَا الشَّرْطَ، وَأَجَازُوا بَيْعَهَا، وَاشْتِرَاطَ رُكُوبِهَا مَسَافَةً يَسِيرَةً: أَنْ يَحُدُّوا الْمِقْدَارَ الَّذِي يُحَرَّمُ بِهِ مَا حَرَّمُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي حَلَّلُوهُ، هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَقَدْ تَرَكُوا مَنْ اتَّبَعَهُمْ فِي سُخْنَةِ عَيْنِهِ، وَفِي مَا لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَأْتِي حَرَامًا أَوْ يَمْنَعُ حَلَالًا، وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ، فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ مِقْدَارًا مَا، سُئِلُوا عَنْ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ؟ فَلَاحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute