تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلَّا عَلَى بَيَانِ سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ» قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَلَوْ كَانَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْعَصَائِبَ هِيَ الْعَمَائِمُ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَرَكْبٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تُطْلَبُ عِنْدَهُمْ ... لَهَا تِرَةٌ مِنْ جَذْبِهَا بِالْعَصَائِبِ
وَالتَّسَاخِينُ هِيَ الْخِفَافُ.
وَإِنَّمَا أَوْجَبَ مَنْ أَوْجَبَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِيهِ تَوْقِيتٌ، وَلَا تَوْقِيتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَمَّا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ، دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَقَضِيَّةُ مَنْ عِنْدَهُ، ثُمَّ هِيَ أَيْضًا مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ إيجَابُ فَرْضٍ قِيسَ عَلَى إبَاحَةٍ وَتَخْيِيرٍ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلُ قَوْلِنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْجِرَاحَةِ: اغْسِلْ مَا حَوْلَهَا، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَلْقَمَ أُصْبُعَ رِجْلِهِ مَرَارَةً فَكَانَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا.
قُلْنَا: هَذَا فِعْلٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ إيجَابًا لِلْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ «- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute