للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالثَّمَرَةُ - ضَرُورَةً وَلَا بُدَّ - لِلْبَائِعِ، لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا مَعَ الْأُصُولِ وَلَا دُونَهَا، وَلَا اشْتِرَاطُهَا أَصْلًا.

وَلَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْأُصُولِ أَنْ يُلْزِمَ الْبَائِعَ قَلْعَ الثَّمَرَةِ أَصْلًا، إلَّا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، فَإِذَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ أَخْذَ مَا يُمْكِنُ النَّفْعُ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَا يُلْزِمُهُ أَخْذَ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ النَّخْلِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَلِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِيهَا فَقَطْ، مَعَ وُجُودِ الْإِبَارِ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ - وَالتَّعْلِيلُ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا دَلِيلٍ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ إلَّا الِاشْتِرَاطُ فَقَطْ مَا لَمْ تُزْهِ، فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَتَحْمَرَّ» ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ أَصْلًا، وَأَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتِرَاطَهَا، فَيَجُوزُ مَا أَجَازَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَحْرُمُ مَا نَهَى عَنْهُ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] .

وَقَاسَ الشَّافِعِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: سَائِرَ الثِّمَارِ عَلَى النَّخْلِ، وَأَجَازُوا هُمْ، وَالْحَنَفِيُّونَ: بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَقَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ عَلَى الْقَطْعِ أَوْ مَعَ الْأُصُولِ - وَهَذَا خِلَافُ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَإِبَاحَةُ مَا حَرَّمَ، وَمَا عَجَزَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ عَنْ أَنْ يَقُولَ إلَّا عَلَى الْقَطْعِ، أَوْ مَعَ الْأُصُولِ، وَمَا قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ، فَهُوَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِمَّنْ مَنَعَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جُمْلَةً لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» .

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>