للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ - أَرَادَ كَوْنَهُ لَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ - إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدِ شِرَاءٍ مَعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ، إلَّا الْغَائِبَ الَّذِي يُوقِنُ بِفَسَادِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَسَادًا يَتْلَفُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُشَاوِرَ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِي لِأَهْلِهِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ - وَيَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ مَا بِيعَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَاجِبٍ لِيَنْتَصِفَ غَرِيمٌ مِنْهُ، أَوْ فِي نَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَهَذَا لَازِمٌ لَهُ - حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا، رَضِيَ أَمْ سَخِطَ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤]

وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَالِهِ، وَلَا مِنْ بَشَرَتِهِ، وَلَا مِنْ دَمِهِ إلَّا بِالْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَالسُّكُوتُ لَيْسَ رِضًا إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَقَطْ -.

أَحَدُهُمَا: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ بِالْبَيَانِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، الَّذِي لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ، وَاَلَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِأَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ جَائِزٌ، وَاَلَّذِي لَا حَرَامَ إلَّا مَا فَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَهُ، وَلَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَمَرَنَا بِهِ وَلَا نَهَانَا عَنْهُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ حَرَامًا، فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَلَا بُدَّ، فَدَخَلَ سُكُوتُهُ الَّذِي لَيْسَ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا فِي هَذَا الْقِسْمِ ضَرُورَةً.

وَالثَّانِي: الْبِكْرُ فِي نِكَاحِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَقَطْ - وَأَمَّا كُلُّ مَنْ عَدَا مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا حَتَّى يُقِرَّ بِلِسَانِهِ بِأَنَّهُ رَاضٍ بِهِ مُنَفِّذٌ.

وَيُسْأَلُ مَنْ قَالَ: إنَّ سُكُوتَ مَنْ عَدَا هَذَيْنِ رِضًا: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكُمْ: إنَّ الرِّضَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ، وَإِنَّ الْإِنْكَارَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكَلَامِ؟ وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ ذَلِكَ؟

فَإِنْ ادَّعَوْا نَصًّا، كَذَبُوا، وَإِنْ ادَّعَوْا عِلْمَ ضَرُورَةٍ، كَابَرُوا؛ لِأَنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ مُخَالِفُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الضَّرُورَةَ الَّتِي يَدَّعُونَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ عِلْمَ الضَّرُورَةِ هَهُنَا وَبَيْنَ دَعْوَى غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ عِلْمَ الضَّرُورَةِ فِي بُطْلَانِ ذَلِكَ، وَفِي أَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ، وَأَنَّ الرِّضَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكَلَامِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>