للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقِيمَةُ قِيمَتَانِ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - قَدِيمًا وَحَدِيثًا - فَقَدْ كَانَ التُّجَّارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبِيعُونَ مَا يَشْتَرُونَ طَلَبَ الرِّبْحِ، هَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، فَقِيمَةٌ يَبْتَاعُ بِهَا التُّجَّارُ السِّلَعَ لَا يَتَجَاوَزُونَهَا إلَّا لِعِلَّةٍ، وَقِيمَةٌ يَبِيعُ بِهَا التُّجَّارُ السِّلَعَ لَا يَحُطُّونَ عَنْهَا وَلَا يَتَجَاوَزُونَهَا إلَّا لِعِلَّةٍ؛ فَهَاتَانِ الْقِيمَتَانِ تُرَاعَيَانِ لِكُلِّ قِيمَةٍ فِي حَالِهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي إبْطَالِهِمْ الْبَيْعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي - وَإِنْ عَلِمَا جَمِيعًا بِذَلِكَ وَتَرَاضَيَا بِهِ بِأَنْ قَالُوا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، قَالُوا: وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ، بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْبَائِعُ لَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ كِلَاهُمَا مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ.

قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَالِ عَنْ الْمِلْكِ إلَّا بِعِوَضِ أَجْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَفْضَلُ عِوَضٍ، وَإِمَّا بِعِوَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا كَعَمَلٍ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مِلْكِ بُضْعٍ فِي النِّكَاحِ، أَوْ انْحِلَالِ مِلْكِهِ فِي الْخُلْعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ.

قَالُوا: وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ يَاقُوتَةً بِفَلْسٍ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّبْذِيرُ، وَالسَّرَفُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ، وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ الَّذِي قُلْتُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِقَدْرِ الْغَبْنِ وَطَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَهُوَ بِرٌّ بِرَّ بِهِ مُعَامَلَةً بِطِيبِ نَفْسِهِ، فَهُوَ مَأْجُورٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ خَيْرًا، وَأَحْسَنَ إلَى إنْسَانٍ، وَتَرَكَ لَهُ مَالًا، أَوْ أَعْطَاهُ مَالًا، وَلَيْسَ التَّبْذِيرُ، وَالسَّرَفُ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ، وَأَكْلُهُ بِالْبَاطِلِ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي: " كِتَابِ الْحَجْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَأَمَّا التِّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ فَمَا حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، بَلْ أَبَاحَهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ التَّطَوُّعِ بِالزِّيَادَةِ فِي الشِّرَاءِ مَا أَبْقَى غِنًى؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» .

وَأَمَّا مَا لَمْ يُبْقِ غِنًى فَمَرْدُودٌ لَا يَحِلُّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِنَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كَامِلٍ - هُوَ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>