وَقَدْ أَجَازَ أَصْحَابُنَا الَّذِي أَنْكَرُوا هَهُنَا فِي حَسَّ مَسَّ إذْ أَجَازُوا بَيْعَ عَبْدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَاشْتِرَاطَ مَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَصْلًا، وَكَيْفَ يُنْكِرُونَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبَاحَهُ جُمْلَةً؟ وَهَذَا أَخْذُ مَالٍ بِغَيْرِ صَدَقَةٍ وَلَا عِوَضٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مُتَعَلَّقٌ لِمَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ الْخَدِيعَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْغِشُّ الْمُحَرَّمُ مِنْ الْغَبْنِ الَّذِي لَا يَدْرِيهِ الْمَغْبُونُ.
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا فِيهَا جَوَازُ ذَلِكَ إذَا عَلِمَهُ الرَّاضِي بِهِ فِي بَيْعِهِ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ الرِّضَا بِمَجْهُولٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْجِبِلَّةِ، مُحَالٌ فِي الْخِلْقَةِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمَرْءُ: رَضِيت رَضِيت، فِيمَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْضَهُ أَصْلًا، هَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فِي كُلِّ أَحَدٍ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ الْمَذْكُورُونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا بَعَثَ مَنْ يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً: ارْثِمْ أَنْفَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْت أَنِّي لَا أَبِيعُ شَيْئًا وَلَا أَبْتَاعُهُ إلَّا بَطَحْت بِصَاحِبِهِ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَابْنُ حَبِيبٍ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بَلَاغٌ كَاذِبٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا فَهِمَ مِنْهُ أَحَدٌ إبَاحَةَ غَبْنٍ، وَلَا خَدِيعَةٍ، إنَّمَا مَعْنَى " ارْثِمْ أَنْفَهُ " خُذْ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ - وَهَذَا مُبَاحٌ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ لَا شَيْءَ - وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ كَسُجُودِهِ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] وَإِبَاحَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute