للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَاطِلٌ - وَحَاشَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَبُّهُ تَعَالَى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] وَأَهْلُ الْبَدْوِ مُؤْمِنُونَ كَأَهْلِ الْحَضَرِ، فَنَظَرُهُ وَحِيَاطَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْجَمِيعِ سَوَاءٌ، وَيَبْطُلُ هَذَا التَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ مِنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ: أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ نَظَرًا لِأَهْلِ الْحَضَرِ لَجَازَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَادِي مِنْ الْبَادِي، وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ -: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ فَاسِدَةٌ، وَأَنَّهُ لَا عِلَّةَ لِذَلِكَ أَصْلًا إلَّا الِانْقِيَادُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ مِنْ جِهَاتٍ -: أَمَّا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْبَيْعِ لِلْبَادِي فَمَنَعَ مِنْهُ، وَبَيْنَ الشِّرَاءِ لَهُ فَأَبَاحَهُ -: فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ " لَا يَبِعْ " يَقْتَضِي أَنْ لَا يَشْتَرِيَ لَهُ أَيْضًا، كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي الدِّينِ - وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بِعْت بِمَعْنَى اشْتَرَيْت، قَوْلًا مُطْلَقًا، وَإِذَا اشْتَرَى لَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ بَاعَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَهُ يَقِينًا بِلَا تَكَلُّفٍ ضَرُورَةً، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] . فَحَرَّمُوا الشِّرَاءَ كَمَا حَرَّمُوا الْبَيْعَ وَأَحَلُّوا هَهُنَا الشِّرَاءَ لَهُ وَحَرَّمُوا الْبَيْعَ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ " لَا يَبِعْ لِأَهْلِ الْقُرَى " فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ " الْبَادِي " لَا يَقَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى سَاكِنٍ فِي الْمُدُنِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ، وَالْخُصُوصِ، الْمُنْتَجِعِينَ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ لِلرَّعْيِ فَقَطْ.

وَأَمَّا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُدُنِ وَبَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ الْقُرَى، فَخَطَأٌ ثَالِثٌ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لَا يَبِعْ مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ وَلَا مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ " فَخَطَأٌ رَابِعٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ.

وَإِنَّمَا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمَدَنِيِّ، وَالْمِصْرِيِّ، فَرَأَى أَنْ يُشِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَبِيعَ لَهُ، وَلَمْ يَرَ أَنْ يُشِيرَ حَاضِرٌ عَلَى أَعْرَابِيٍّ وَلَا يَبِيعَ لَهُ -: فَخَطَأٌ خَامِسٌ بِلَا دَلِيلٍ؟ فَهَذِهِ وُجُوهٌ خَمْسَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ لَا صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لَا يُشِيرُ الْحَاضِرُ عَلَى الْبَادِي " فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِهَذَا احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>