فَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَصْلًا أَنْ يُرِيدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكْثَرَهُ، أَوْ أَقَلَّهُ، أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى مِنْهُ ثُمَّ لَا يَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُبَيِّنُهُ، وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْبَيَانَ، فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُكَلِّفَنَا شَرْعًا لَا نَدْرِي مَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخَالِفًا لِأَمْرِ رَبِّهِ تَعَالَى لَهُ بِالْبَيَانِ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ.
وَأَيْضًا - فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ تَكْلِيفًا لَنَا مَا لَا نُطِيقُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا لَمْ نُعَرَّفْ بِهِ وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .
فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا وَجْهَانِ فَقَطْ: إمَّا ظُهُورُ الصَّلَاحِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَإِمَّا عُمُومُ الصَّلَاحِ لِجَمِيعِهِ -: فَنَظَرْنَا فِي لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَجَدْنَاهُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ ظُهُورُ الصَّلَاحِ: وَبِصَلَاحِ حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ قَدْ بَدَا صَلَاحُ هَذَا الثَّمَرِ، فَهَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ صَلَاحَ جَمِيعِهِ لَقَالَ: حَتَّى يَصْلُحَ جَمِيعُهُ.
وَأَيْضًا - فَإِنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ يَبْدُو صَلَاحُ بَعْضِهِ ثُمَّ يَتَتَابَعُ صَلَاحُ شَيْءٍ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلَا يَصِحُّ آخِرُهُ إلَّا وَلَوْ تَرَكَ أَوَّلَهُ لَفَسَدَ وَضَاعَ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ.
وَأَيْضًا - فَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ هَذَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا، وَلَا زَالَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ كُلَّ عَامٍ عَمَلًا عَامًّا فَاشِيًّا ظَاهِرًا بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَذَلِكَ كُلُّ عَامٍ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرِ إلَّا حَتَّى يَتِمَّ صَلَاحُ جَمِيعِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ وَلَا حَبَّةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَبَيْعُ ثِمَارِ الْحَائِطِ الْجَامِعِ لِأَصْنَافِ الشَّجَرِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: جَائِزٌ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ ثِمَارٍ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا، وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ اللَّازِمُ لَمَا أَغْفَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَهُ.
وَأَمَّا إذَا بِيعَ الثَّمَرُ صَفْقَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاحِ بَعْدُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِنْفٍ قَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي غَيْرِهِ أَوْ مِنْ صِنْفٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute