وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَصْحَابُنَا، إلَى جَوَازِ أَخْذِ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِق، وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، وَآخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا»
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةٌ فِيهِ، لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ: حَدَّثَك فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فِيمَ سُئِلَ عَنْهُ.
وَثَانِيهَا - أَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِهَذَا السَّنَدِ بِبَيَانِ غَيْرِ مَا ذَكَرُوا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: إذَا بَايَعْت صَاحِبَكَ فَلَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبْسٌ» وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ.
وَثَالِثُهَا - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ اشْتِرَاطَ أَخْذِهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، وَهُمْ يُجِيزُونَ أَخْذَهَا بِغَيْرِ سِعْرِ يَوْمِهَا، فَقَدْ اطَّرَحُوا مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ.
وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ هَهُنَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ لَا يَدْرِي أَخُلِقَ بَعْدُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ؟ وَلَا أَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ بِمِثْلِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَالسَّلْمُ لَا يَجُوزُ إلَّا إلَى أَجَلٍ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَمَلُ بَيْعًا أَوْ سَلَمًا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ، فَمِنْ أَيْنَ أَجَازُوهُ فِي الْقَرْضِ؟ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهِ بَيْنَ الْقَرْضِ فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute