للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيِّ فِي إدْخَالِهِ السَّقَمُونْيَا فِيمَا يُؤْكَلُ؟ فَقَالُوا: إنَّهُ يُخْرِجُ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ؟ فَقُلْنَا: وَالشَّجَرُ يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ فَامْنَعُوا مِنْ بَيْعِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَانْقَطَعُوا وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ هَذَا كُلَّهُ كَمَا هُوَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ.

وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ هَهُنَا كُلَّ قَوْلٍ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ يُجِزْ بَيْعَ مَا مُلِكَ بِبَيْعٍ، أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ، قَبْلَ الْقَبْضِ أَصْلًا وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بِلَا دَلِيلٍ.

فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا النِّكَاحَ وَالْخُلْعَ عَلَى الْبَيْعِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يَجُوزُ بِلَا مَهْرٍ يُذْكَرُ أَصْلًا، وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ يُذْكَرُ، وَالنِّكَاحُ لَمْ يُمْلَكْ بِصَدَاقِ رَقَبَةِ شَيْءٍ أَصْلًا، وَالْخُلْعُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

أَمَّا حُكْمُ الْقَمْحِ: فَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا فِي الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ فَهُوَ الطَّعَامُ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلطَّعَامِ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً وَعُمُومٌ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مُلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ الْقَمْحَ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الطَّعَامِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُطْلَقُ هَذَا إلَّا عَلَى الْقَمْحِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ بِإِضَافَةٍ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] فَأَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ الذَّبَائِحَ لَا مَا يَأْكُلُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، وَالْخِنْزِيرَ، وَلَمْ يَحِلَّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَطُّ.

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: ٢٤٩] فَذَكَرَ تَعَالَى الطُّعْمَ فِي الْمَاءِ بِإِضَافَةٍ، وَلَا يُسَمَّى الْمَاءُ طَعَامًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>