وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوَضَةٌ فِي مَنَافِعَ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ - تَعَالَى - بَعْدُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْحُرُّ نَفْسَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ، فَلَا شَبَهَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ.
فَإِنْ عَلَّلَ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا يُشَاغِلُ عَنْ السَّعْيِ: صَارَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَ مِنْ الْبَيْعِ مَا لَا تَشَاغَلَ مِنْهُ عَنْ السَّعْيِ، وَلَا قِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إلَّا عَلَى عِلَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّلْ بَطَلَ الْقِيَاسُ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا الْقَوْلِ.
وَأَمَّا إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ: الْبَيْعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَخِلَافٌ لِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا نَهَى عَنْ التَّشَاغُلِ عَنْ السَّعْيِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً بَاعَ فِي الصَّلَاةِ لَصَحَّ الْبَيْعُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ فَاسِدَانِ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ بِذَلِكَ التَّشَاغُلَ عَنْ السَّعْيِ فَقَطْ، فَعَظِيمٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا، لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٦٩] .
وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَرَادَ مَا قَالُوا لَمَا نَهَانَا عَنْ الْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَلَا عَجَزَ عَنْ بَيَانِ مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا هَهُنَا ضَرُورَةٌ تُوجِبُ فَهْمَ هَذَا وَلَا نَصٌّ، فَهُوَ بَاطِلٌ مَحْضٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ بَاعَ فِي الصَّلَاةِ لَجَازَ الْبَيْعُ: فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ بِأَوَّلِ أَخْذِهِ فِي الْكَلَامِ فِي الْمُسَاوَمَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَصَارَ غَيْرَ مُصَلٍّ - فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ جُمْلَةً.
فَإِنْ قَالُوا: هَذَا نَدْبٌ؟ قُلْنَا: مَا دَلِيلُكُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: افْعَلْ، فَيَقُولُونَ: مَعْنَاهُ - لَا تَفْعَلْ إنْ شِئْت؟ أَمْ كَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: لَا تَفْعَلْ، فَيَقُولُونَ: مَعْنَاهُ: افْعَلْ إنْ شِئْت؟ وَهَذَا إبْطَالُ الْحَقَائِقِ، وَنَفْسُ الْمَعْصِيَةِ، وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَجَدْنَا أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ مَعْنَاهَا: النَّدْبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ بِنَصٍّ آخَرَ بَيَّنَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا آيَاتٍ مَنْسُوخَاتٍ بِنَصٍّ آخَرَ وَلَمْ يَجِبْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute