ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخُصُّونَ بِهَذَا الْحُكْمِ الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ إلَّا الطَّعَامُ فَقَطْ.
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الطَّعَامِ غَيْرَ الطَّعَامِ؟ قُلْنَا: فَهَلَّا قِسْتُمْ عَلَى الطَّعَامِ غَيْرَ الطَّعَامِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يُقْبَضَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ النَّصُّ إلَّا فِي الطَّعَامِ.
قُلْنَا: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا الطَّعَامُ، فَإِمَّا اتَّبِعُوا النَّصَّيْنِ مَعًا دُونَ الْقِيَاسِ، وَإِمَّا قِيسُوا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ فِي كُلِّ مَا اُبْتِيعَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ فَخَالَفُوهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
١٥٤٥ - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْحِيتَانِ - الْكِبَارِ أَوْ الصِّغَارِ - أَوْ الْأُتْرُجِّ - الْكِبَارِ أَوْ الصِّغَارِ - أَوْ الدُّلَّاعِ، أَوْ الثِّيَابِ، أَوْ الْخَشَبِ، أَوْ الْحَيَوَانِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جُزَافًا: حَلَالٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكِبَارِ مِنْ الْحِيتَانِ، وَالْخَشَبِ، وَأَجَازَهُ فِي الصِّغَارِ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] .
وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] فَهَذَا بَيْعٌ حَلَالٌ وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلٌ بِتَحْرِيمِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَاسِدٌ، إذْ لَمْ يَجِدْ الْكَبِيرَ الَّذِي مُنِعَ بِهِ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ مِنْ الصَّغِيرِ الَّذِي أَبَاحَهُ بِهِ - وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَ وَحَلَّلَ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنْ مَا الْحَرَامُ فَيَجْتَنِبُهُ مَنْ يَبِيعُهُ، وَمَا الْحَلَالُ فَيَأْتِيهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا كَبِيرَ إلَّا بِإِضَافَتِهِ إلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَلَا صَغِيرَ إلَّا بِإِضَافَتِهِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، فَالشَّابِلُ صَغِيرٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى الشَّوْلِيِّ وَكَبِيرٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى السَّرْدِينِ، وَالْمَدَارِي كِبَارٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى السِّهَامِ وَصِغَارٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّوَارِي، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا: بَيْعُ الضَّيَاعِ، وَفِيهَا النَّخْلُ الْكَثِيرُ، وَالشَّجَرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، بِغَيْرِ عَدَدٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute