قَالَ: كَانَ ابْنُ مُصَبِّحٍ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ وَيَبِيعُهَا وَلَا يُنْكَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَالْآخَرُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ بُكَيْرٍ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَهَا - يَتَّخِذُهَا مَتْجَرًا - وَلَا يَرَى بَأْسًا بِمَا عَمِلَتْ يَدَاهُ مِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ.
ابْنُ حَبِيبٍ سَاقِطٌ - وَابْنُ مُصَبِّحٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَطَلْقُ بْنُ السَّمْحِ: لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَمْرٍو سَاقِطٌ وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَبُكَيْر بْنُ مِسْمَارٍ ضَعِيفٌ - ثُمَّ هُمَا مُخَالِفَانِ لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مُصَبِّحٍ: أَنَّ عُثْمَانَ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْعَهَا مَتْجَرًا.
فَأَيْنَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَالْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ - وَقَدْ وَافَقُوا هَهُنَا كِلَا الْأَمْرَيْنِ.
ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْهَا: أَبْلَغَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ فِي ابْتِيَاعِهِ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَيْعِهِ إيَّاهُ مِنْ الَّتِي بَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، وَقَدْ خَالَفَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ.
فَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَلَمْ يَقُولُوا هَهُنَا فِيمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ مِنْ إبَاحَةِ قَطْعِ الْأَيْدِي فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً.
فَهَلَّا قَالُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنْ هَهُنَا يَلُوحُ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا تَحْكُمُوا بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ الْقَائِلُونَ بِهِ أَمْ قَلُّوا - كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَائِلُ، لَا نَتَكَهَّنُ فَنَقُولُ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَنَنْسُبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ جِهَارًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute