للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَيْفَ يُظَنُّ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إبْطَالُ جِهَادِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي شَيْءٍ عَمِلَهُ مُجْتَهِدًا، لَا نَصَّ فِي الْعَالَمِ يُوجَدُ خِلَافُهُ، لَا صَحِيحٌ وَلَا مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ، هَذَا وَاَللَّهِ الْكَذِبُ الْمَحْضُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مَنْ يَنْسُبُهُ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ يُحَرِّمُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذِهِ بَرَاهِينُ أَرْبَعَةٌ فِي بُطْلَانِ هَذَا الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ خُرَافَةٌ مَكْذُوبَةٌ.

ثُمَّ نَقُولُ: إنَّهُ لَوْ صَحَّ صِحَّةَ الشَّمْسِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ قَوْلٌ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا قَوْلُهَا بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ - وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهُ - إذَا تَنَازَعَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: ٥٩] وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ إلَى أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

وَالثَّانِي - أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: كَمْ قَوْلَةٍ رَدَدْتُمُوهَا لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ كَبَيْعِهَا الْمُدَبَّرَةَ وَإِبَاحَتِهَا الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَاطَّرَحْتُمْ حُكْمَهَا وَتَعَلَّقْتُمْ بِمُخَالَفَةِ عُمَرَ لَهَا فِي الْمُدَبَّرَةِ.

وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ: مَنْ قَدَّمَ ثِقْلَهُ مِنْ مِنًى قَبْلَ أَنْ يَنْفِرَ فَلَا حَجَّ لَهُ، وَالِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ، فَأَطْرَحْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ، وَلَمْ تَقُولُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ تَوْقِيفٌ.

وَخَالَفْتُمُوهُ لِقَوْلِ ابْنِهِ: لَا أَعْرِفُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَمَرَّةً يَكُونُ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةً، وَمَرَّةً لَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَمَرَّةً تَكُونُ عَائِشَةُ حُجَّةً عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَعُمَرُ حُجَّةً عَلَى عَائِشَةَ، وَابْنُ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى عُمَرَ، وَغَيْرُ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ - وَهَذَا هُوَ التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ وَبِالْحَقَائِقِ.

وَالثَّالِثُ - أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَدِدْت أَنِّي رَأَيْت الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَهَلَّا قُلْتُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ كَمَا قُلْتُمْ هَهُنَا؟

وَالرَّابِعُ - أَنَّ مِنْ الضَّلَالِ الْعَظِيمِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ عِنْدَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثَرًا ثُمَّ تَكْتُمُهُ فَلَا تَرْوِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَاشَا لَهَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكْتُمَ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>