ثُمَّ وَجْهٌ آخَرُ - وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّ الْبَيْعَ وَالِابْتِيَاعَ جِنَايَةٌ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ آخَرُ، وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا تَدَايَنَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلِسَيِّدِهِ فَسْخُ الدَّيْنِ عَنْهُ - وَهَذَا بَاطِلٌ شَنِيعٌ، لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ جَزَاءَ مَا جَنَى، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ، ثُمَّ يُسْقِطُونَ الْبَيْعَ الْوَاجِبَ عَنْ الْعَبْدِ الْعَاقِلِ، ثُمَّ أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ لَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا فِي قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.
وَعَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنْ وُجِدَتْ السِّلْعَةُ الَّتِي اشْتَرَى الْعَبْدُ بِيَدِهِ وَجَبَ رَدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا، فَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إزَالَةُ السِّلْعَةِ عَنْ يَدِ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَجِبْ إغْرَامُهُ الثَّمَنَ عَنْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ.
وَلَئِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَالَ الْبَائِعِ: فَإِنَّ الثَّمَنَ مَالُهُ.
وَلَئِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَيْسَ هُوَ مَالَ الْبَائِعِ، فَإِنَّ السِّلْعَةَ لَيْسَتْ مَالَهُ، بَلْ قَدْ عُكِسَ الْأَمْرُ هَهُنَا أَقْبَحَ الْعَكْسِ وَأَوْضَحَهُ فَسَادًا؛ لِأَنَّهُ رَدَّ إلَى الْبَائِعِ سِلْعَةً قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهَا، وَصَحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ الثَّمَنَ الَّذِي هُوَ لَهُ بِلَا شَكٍّ - وَهَذِهِ طَوَامُّ لَا نَظِيرَ لَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ الثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ يَوْمًا مَا؟ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ لَازِمًا لِلْعَبْدِ فَلِأَيِّ مَعْنًى يُؤَخَّرُ بِهِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ.
وَلَئِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَيْسَ لَازِمًا الْآنَ فَلَا يَجُوزُ إغْرَامُهُ إيَّاهُ إذَا أُعْتِقَ.
وَلَئِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ الْآنَ وَاجِبٌ.
وَلَئِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ فَاسِدًا فَمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ فَقَطْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute