للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ «عَلِيٍّ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ» .

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُد، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ.

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: رَأَيْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ بَالَ ثُمَّ أَتَى رَحْلَهُ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ عَلَى أَعْلَاهُمَا حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ عَلَى خُفَّيْهِ.

وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، فَرَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَمْسَحُ عَلَى بُطُونِ الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ لَا إلَّا بِظُهُورِهِمَا.

قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَسْحُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لَا بِأَقَلَّ، وَقَالَ سُفْيَانُ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد: إنْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ، قَالَ زُفَرُ: إذَا مَسَحَ عَلَى أَكْثَرِ الْخُفَّيْنِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَحْدِيدُ الثَّلَاثِ أَصَابِعَ وَأَكْثَرِ الْخُفَّيْنِ كَلَامٌ فَاسِدٌ وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ بَارِدٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ مَسَحَ بِأَقَلَّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مَذَاهِبِهِمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ مِثْلُ هَذَا فِي فَوْرِ الْوُضُوءِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَفِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَلَا تَحِلُّ مُرَاعَاةُ إجْمَاعٍ إذَا وُجِدَ النَّصُّ يَشْهَدُ لِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْمَسْحِ دُونَ تَحْدِيدِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] بَلْ هَذَا الَّذِي قَالُوا هُوَ إيجَابُ الْفَرَائِضِ بِالدَّعْوَى الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بِلَا نَصٍّ، وَهَذَا الْبَاطِلُ الْمُجْمَعُ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ.

وَيُعَارِضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْمَسْحِ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْمَسْحِ بِمَا زَادَ، فَلَا يَجِبُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مَرْوِيٌّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحَبُّ مَسْحُ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا دُونَ الْبَاطِنِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ لَمْ يُجْزِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>