عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَزْرَقِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا أَقْوَالُ مَالِكٍ كَمَا هِيَ، فَهِيَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهَا إمَّا تَحْدِيدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِمَّا إجْمَالٌ بِلَا تَحْدِيدٍ، فَلَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَا مَتَى لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ، وَلَيْسَ فِي الزَّمَانِ طَوِيلٌ إلَّا بِإِضَافَةٍ إلَى مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهُ، فَالْيَوْمُ طَوِيلٌ لِمَنْ عُذِّبَ فِيهِ، وَبِالْإِضَافَةِ إلَى سَاعَةٍ وَمِائَةِ عَامٍ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى عُمْرِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تُعْهَدْ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا يُعَضِّدُهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ سَلَفٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي تَحْدِيدِ يَوْمٍ، فَهُمَا قَوْلَانِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْدِيدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ رَدُّ ذَلِكَ إلَى مَا جَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ بِخِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُرَدَّ إلَى خِيَارِ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ ارْتَجَعَ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الطَّلَاقَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تَخَالِيطُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَتَحْدِيدُهُ بِشَهْرٍ، وَبِأَنْ لَا يَكُونَ الْإِشْهَادُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ فَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ، وَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: " لَهُ مِنْ الْأَمَدِ مَا لِلْمُخَيَّرَةِ " فَأَسْخَفُ قَوْلٍ سُمِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ، وَلِلْهَوَسِ بِالْهَوَسِ، وَمَا سُمِعَ بِأَحْمَقَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي حُكْمِ الْمُخَيَّرَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْبَتِّيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ فَإِنَّ تَحْدِيدَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ، ثُمَّ السُّكُوتِ إنْ شَاءَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ لَهُ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ وَاجِبٌ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا لَمْ يُؤْذِنْهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَأَيُّ حَاجَةٍ بِهِ إلَى الْإِشْهَادِ، أَوْ مِنْ أَيْنَ أَلْزَمُوهُ إيَّاهُ وَأَسْقَطُوا حَقَّهُ بِتَرْكِهِ هَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ، وَإِسْقَاطٌ لِحَقٍّ قَدْ وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، فَمَا يُقَوِّيهِ الْإِشْهَادُ وَلَا يُضَعِّفُهُ تَرْكُهُ فَبَطَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ فَنَظَرْنَا فِيهِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُمَوِّهِينَ نَزَعَ بِقَوْلٍ مَكْذُوبٍ مَوْضُوعٍ مُضَافٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ وَالشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute