للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ أَوْ لِوَلَدٍ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا أَوْ وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِيمَا وَهَبَ.

وَمَنْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِمَوْلًى، أَوْ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ: هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا، فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ مِنْ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ - وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ - مَا لَمْ تَزِدْ الْهِبَةُ فِي بَدَنِهَا، أَوْ مَا لَمْ يُخْرِجْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، أَوْ مَا لَمْ يُعَوِّضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْهُ الْوَاهِبَ عِوَضًا يَقْبَلُهُ الْوَاهِبُ، فَأَيُّ هَذِهِ الْأَسْبَابِ كَانَ فَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ.

وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَحَبَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ كَرِهَ - قَالَ: فَلَوْ وَهَبَ آخَرُ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ وَالْخَيْرَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَأَدَّاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْهَا، أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً فَأَسْلَمَتْ فَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيهَا.

وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُتَصَدِّقِ فِيهَا - لِأَجْنَبِيٍّ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ أَجْنَبِيٍّ - بِخِلَافِ الْهِبَةِ - وَقَالَ مَالِكٌ: لَا رُجُوعَ لِوَاهِبٍ وَلَا لِمُتَصَدِّقٍ فِي هِبَتِهِ أَصْلًا، لَا لِأَجْنَبِيٍّ وَلَا لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، إلَّا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَقَطْ، وَفِيمَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ أَوْ ابْنَتِهِ الْكَبِيرَيْنِ أَوْ الصَّغِيرَيْنِ، مَا لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى - فَإِنْ قَالَ هَذَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا وَهَبَ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ، مَا لَمْ يُدَايِنْ الْوَلَدَ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ، أَوْ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ الِابْنُ أَوْ الِابْنَةُ عَلَيْهَا، أَوْ مَا لَمْ يَثِبْ الْوَلَدُ أَوْ الِابْنَةُ أَبَاهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ فَقَدْ بَطَلَ رُجُوعُ الْأَبِ فِي الْهِبَةِ.

وَتَرْجِعُ الْأُمُّ كَذَلِكَ فِيمَا وَهَبَتْ الْأُمُّ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ خَاصَّةً مَا دَامَ أَبُوهُمْ حَيًّا، فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ، فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ فَلَا رُجُوعَ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهَا فِيمَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا الْكِبَارِ، كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ.

قَالَ: وَهِبَةُ الثَّوَابِ صَاحِبُهَا الْوَاهِبُ لَهَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا، فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ.

فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا -: أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَالْآخَرُ - أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ مَا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الثَّوَابِ، وَلَا ثَوَابَ عِنْدَهُمْ فِيمَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَلَا لِلْفَقِيرِ فِيمَا أَهْدَى إلَى الْغَنِيِّ يَقْدُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>