للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِعَهُ فَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَمَّ بِذَلِكَ، لَا أَنَّهُ أَنْفَذَهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ أَنَّ الْمُعْطَى مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ.

وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَارِدٌ بِإِبْطَالِ الْحَالِ الْأَوَّلِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَبُولِ مَا جَاءَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ.

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْهَمَّ قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُوقَنَ نَسْخُهُ قَدْ دَعَا وَنَسَخَ النَّاسِخُ، فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، وَمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَحَاشَ اللَّهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الدِّينِ، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا عَلِمْنَا صَحِيحَ الدِّينِ مِنْ سَقِيمِهِ فِيهِ وَلَا مَا يَلْزَمُنَا مِمَّا لَا يَلْزَمُنَا، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً.

وَأَمَّا الْآخَرُ «لَا أَقْبَلُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً» فَرِوَايَةُ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ الْأَبْرَشِ - وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً.

وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ رَدَّهُ وَهُوَ كَوْنُهُمْ مُحْرِمِينَ، وَهَذَا بَعْضُ الْأَحْوَالِ الَّتِي عَمَّهَا حَدِيثُ عُمَرَ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أُهْدِي لَهُ صَيْدٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ، وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْبَلَانِ الْهَدَايَا وَيَرُدَّانِ الصَّيْدَ إنْ أُهْدِي لَهُمَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمٍ - فَبَيِّنٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِيمَنْ أَخَذَ الْمَالَ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ مَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ «لَا يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ» وَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْإِشْرَافَ إلَى الْمَالِ لَمْ يَسْتَجِزْ أَخْذَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَخْذُهُ مَنْ كَانَ غَيْرُ مُشْرِفِ النَّفْسِ إلَيْهِ.

وَبُرْهَانُ ذَلِكَ -: إخْبَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ - كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حَتَّى خَاطَبَهُ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَطَاءً فَاسْتَقَلَّهُ، فَزَادَهُ» ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَهَذَا غَايَةُ إشْرَافِ النَّفْسِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>