للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْمَرْتُكُمْ الْأَرْضَ إنَّمَا قَالَ: إنَّهُ اسْتَعْمَرْنَا فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَمَّرَنَا بِالْبَقَاءِ فِيهَا مُدَّةً، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعُمْرَى فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ.

وَثَالِثُهَا - أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَوْ جَعَلْنَاهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لَكَانَ ذَلِكَ أَوْضَحَ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى - بِلَا شَكٍّ - أَبَاحَ لَنَا بَيْعَ مَا مَلَكْنَا مِنْ الْأَرْضِ، وَجَعَلَهَا لِوَرَثَتِنَا بَعْدَنَا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي الْعُمْرَى لَا قَوْلُهُمْ، فَظَهَرَ فَسَادُ مَا يَأْتُونَ بِهِ عَلَانِيَةً، وَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ يَقِينًا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ مَا صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَمُرْسَلَاتٍ كَثِيرَةٍ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك، فَأَمَّا إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُسْنَدَ مِنْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ «أَنَّ الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ» وَأَمَّا بَاقِي لَفْظِ الْخَبَرِ فَمِنْ كَلَامِ جَابِرٍ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفَ جَابِرًا هَاهُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ حُكْمُ الْعُمْرَى إذَا قَالَ الْمُعَمِّرُ: " هِيَ لَك وَلِعَقِبِك " فَقَطْ وَبَقِيَ حُكْمُهُ إذَا لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلَامُ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا -: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لَهُ بَتْلَةٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ وَلَا ثُنْيَا» قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ، فَقَطَعَتْ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ نا الْوَلِيدُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>