للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمْ -: أَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْقَاسِمِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَبْسَ إلَّا فِي سِلَاحٍ أَوْ كُرَاعٍ - وَهَذِهِ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ؛ وَلِأَنَّ وَالِدَ الْقَاسِمِ لَا يَحْفَظُ عَنْ أَبِيهِ كَلِمَةً، وَكَانَ لَهُ إذْ مَاتَ أَبُوهُ سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ وَلَدَهُ؟ وَلَا نَعْرِفُهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلًا، وَلَا عَنْ عَلِيٍّ، بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ إيقَافَهُ يَنْبُعَ، وَغَيْرَهَا: أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَالْكَذِبُ كَثِيرٌ، وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَيُقَالُ: نَعَمْ، وَإِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إيقَافُ غَيْرِ الْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ -: وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ أَيْضًا، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، فَبَطَلَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ.

وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ الْحَبْسَ جُمْلَةً: فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَقَدْ أَوْقَفَ وَحَبَسَ أَرْضًا، إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحَبْسَ - وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَخْبَاثٍ فَإِنَّهَا زَادَتْ مَا جَاءَتْ فِيهِ ضَعْفًا وَلَعَلَّهُ قَبْلَهُ كَانَ أَقْوَى.

وَأَمَّا مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ قَاسُوا عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ إيقَافَ الشَّيْءِ لِغَيْرِ مَالِكٍ مِنْ النَّاسِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُورَثَ، أَوْ يُبَاعَ، أَوْ يُوهَبَ: شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَّا مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَوَازِهِ فَقَطْ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤]

وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>