للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تُجْزِيهِ، وَأَمَرَ الْآخَرَ بِأَنْ لَا يُصَلِّيَهَا، وَهَذَا خَطَأٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ سُقُوطًا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَمَا لَهُ حُجَّةٌ أَصْلًا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ لَا تُجْزِيهِ وَلَا لَهَا مَعْنَى، فَهِيَ بَاطِلٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]

وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تَأْخِيرِهِ الصَّلَاةَ إلَيْهِ، وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا أَوْكَدَ أَمْرٍ وَأَشَدَّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] فَلَمْ يَأْمُرْ تَعَالَى بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِ الْكَافِرِ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ الْكُفْرِ وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يُفْسِحْ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ زُفَرَ وَكُلِّ مَنْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يُصَلِّي أَصْلًا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» قَالُوا: فَلَا نَأْمُرُهُ بِمَا لَمْ يَقْبَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهَا غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ وَلَا مُتَطَهِّرٍ، وَهُوَ بَعْدَ الْوَقْتِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَانَ أَصَحَّ الْأَقْوَالِ، لَوْلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْقَطَ عَنَّا مَا لَا نَسْتَطِيعُ مِمَّا أَمَرَنَا بِهِ، وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَسْتَطِيعُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنَّا مَا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِطَهُورِ» إنَّمَا كَلَّفَ ذَلِكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ الطَّهُورِ بِوُجُودِ الْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ، لَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ، هَذَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ سَقَطَ عَنَّا تَكْلِيفُ مَا لَا نُطِيقُ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ عَلَيْنَا تَكْلِيفُ مَا نُطِيقُهُ، وَهُوَ الصَّلَاةُ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُصَلِّي كَذَلِكَ مُؤَدٍّ مَا أُمِرَ بِهِ، وَمَنْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا نَصٌّ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السَّلِيمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا النُّفَيْلِيُّ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>