وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ: إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ - وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ حُجَّةً، وَأَعْجَبُهَا قَوْلُ مَنْ حَدَّ التَّلَوُّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يَتَلَوَّمْ لَهُ السُّلْطَانُ إلَّا سَاعَةً، إذْ رَأَى أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ خَمْسِينَ عَامًا. ثُمَّ نَقُولُ لِجَمِيعِهِمْ: لَا تَخْلُو الْكِتَابَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا لَازِمًا، أَوْ تَكُونَ عِتْقًا بِصِفَةٍ لَا دَيْنًا، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ أَصْلًا، لَا فِي الدِّيَانَةِ وَلَا فِي الْمَعْقُولِ. فَإِنْ كَانَتْ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنَّهُ سَاعَةَ يَحِلُّ الْأَجَلُ فَلَا يُؤَدِّيهِ، فَلَمْ يَأْتِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لَا عِتْقَ لَهُ إلَّا بِهَا - فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ وَلَا عِتْقَ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّلَوُّمُ عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، كَمَنْ قَالَ لِغُلَامِهِ: إنْ قَدِمَ أَبِي يَوْمِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ أَبُوهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا عِتْقَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا - وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
وَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ - وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا -. فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ عِتْقًا بِصِفَةٍ، أَوْ يَكُونَ دَيْنًا وَاجِبًا، فَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِشُرُوعِ الْعِتْقِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا دَيْنٌ وَاجِبٌ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ بَعْضِ الْكِتَابَةِ لَيْسَ هُوَ الصِّفَةَ الَّتِي تَعَاقَدَا الْعِتْقَ عَلَيْهَا، فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ أَصْلًا - وَوَجَبَتْ النَّظِرَةُ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَلَا بُدَّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذْ هِيَ دَيْنٌ كَمَا تَقُولُ، فَهَلَّا حَكَمْتُمْ بِهِ - وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ السَّيِّدُ، أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ - كَمَا حَكَمْتُمْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؟ قُلْنَا: لَمْ نَفْعَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ دَيْنًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ يَصِحُّ بِثَبَاتِ الْمِلْكِ، وَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لِلسَّيِّدِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute